مطالبة رئيس الأركان الجزائري الفريق محمد العماري بإجراء تحقيق دقيق حول ما يجري من صراعات داخل حزب جبهة التحرير الوطني وما صاحبها من تجاوزات قانونية.. يجدد حجم المخاوف المتنامية داخل المجتمع الجزائري. ويشمل التحقيق تقديم معلومات مفصلة عن التجمعات التي قامت بها جمعيات غير سياسية تأييدا لبعض أطراف هذا الصراع والجهات التي رخصت لها، إلى جانب الكشف عن مسؤولي هذه الجمعيات وولاءاتهم السياسية وحركة أرصدة جمعياتهم خاصة في الأشهر الأخيرة. وكان الجيش الجزائري قد تعهد مرارا في الأسابيع الأخيرة بالتزامه الحياد واستعداده قبول ما تفرزه صناديق الاقتراع من نتائج في الرئاسيات المقبلة حتى لو كان الفائز رئيس حركة الإصلاح الوطني الشيخ عبد الله جاب الله، شريطة احترام الدستور وقوانين الجمهورية. ويأتي هذا التحقيق وسط الصراع الحاد الذي يعيشه حزب جبهة التحرير الوطني بعد الشقاق الذي حصل بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء السابق علي بن فليس الأمين العام للحزب والذي رفض تأييد بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية القادمة، مما أدى بالأخير إلى إقالته من رئاسة الحكومة وتعيين أحمد أويحيى خلفا له. وامتد الصراع بين الرجلين إلى جنبات جبهة التحرير فانقسم أعضاء لجنتها المركزية إلى مؤيد لإعادة ترشيح بوتفليقة لعهدة رئاسية ثانية، ومؤيد لبن فليس وفكرة ترشيحه لرئاسيات 2004. ثم تطور هذا الانقسام إلى سعي أنصار الطرف الأول للاستحواذ على الجبهة والتشكيك في شرعية مؤتمرها الأخير الذي قرر ترشيح بن فليس للانتخابات الرئاسية. ويرى المراقبون أن الجيش الجزائري بإصداره تعليمة للتحقيق في صراع داخلي لأحد الأحزاب يكون قد تدخل مجددا في الساحة السياسية، خاصة أن جوهر الصراع يتعلق بأهم استحقاق سياسي وهو الانتخابات الرئاسية، كما أن أحد أطراف هذا الصراع يتربع على هرم السلطة الجزائرية. وبذلك يكون الجيش قد تراجع عن موقف الحياد الذي أعلنه ليعود إلى ما كان عليه منذ استقلال البلاد عام 1962. ويستند هؤلاء في موقفهم إلى أن الجيش هو الحاكم الفعلي في الجزائر -مثل كثير من البلاد العربية ودول العالم الثالث- يعين الرؤساء ويحدد السياسات العامة للبلاد، بل إن الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة ما كان ليصبح رئيسا لولا ترشيح ودعم الجيش له. غير أن من المراقبين من يرى في خطوة الجيش ترسيخا لموقفه الجديد، ذلك أن تعليمة الرجل الأول في المؤسسة العسكرية دعوة صريحة للإدارة لتحذو حذو المؤسسة التي سبق أن أعلنت انسحابها من تعاطي السياسة. كما يرى فيها هؤلاء تحذيرا للجمعيات غير السياسية التي راحت تحشر أنفها في تأييد أحد أطراف الصراع، بل وتعقد التجمعات وتصدر بيانات المساندة له في شكل حملات انتخابية سابقة لأوانها. وبين هذا الرأي وذاك يبقى الجيش الجزائري يراقب الساحة السياسية من قريب أو بعيد. ولعل الفترة القادمة التي ستشهد بدء الترشيحات للرئاسيات القادمة ستكون المحك الفعلي لموقف المؤسسة العسكرية الحياديوتوجهها نحو الاحترافية والابتعاد عن التورط في الحياة السياسية.