ماذا يمكن أن تفعل الولاياتالمتحدة إذا نجح إرهابيون يتحدثون العربية في تفجير قنبلة نووية على أرضها؟ وهل يمكن أن يتم تفجير هذه القنبلة بعلم مسؤولين كبار في الادارة الامريكية كمستشار الأمن القومي أو رئيس أركان الجيش لتكون ذريعة لشن حرب على الشرق الأوسط بهدف تحقيق مصالح معينة؟ وماذا سيكون رد فعل الصقور المنتفعين تجاه بعض الأمناء على مصالح الشعب الأمريكي والعالم، اذا اكتشفوا المؤامرة وسعوا الى الحيلولة دون اندلاع الحرب؟ كل هذه الاسئلة يطرحها الجزء الثاني من المسلسل التلفزيوني الأمريكي 24 (أربعة وعشرون) الذي طرح بالأسواق في لندن مؤخرا بعد ان انتهت القناة الثانية بتلفزيون بي بي سي من عرضه. وعرض هذا الجزء في بريطانيا بشكل متزامن مع عرضه في الولاياتالمتحدة حيث سجل في البلدين رقما قياسيا من حيث مشاهديه الذين وصل عددهم في الولاياتالمتحدة الى 11 مليون مشاهد و3 ملايين مشاهد في بريطانيا وفقا لاحصائيات هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي. وتدور أحداث (24) حول قيام أشخاص تابعين لمنظمة ارهابية في الشرق الأوسط بادخال قنبلة نووية الى الولاياتالمتحدة بغرض تنفيذ عملية إرهابية غير مسبوقة على الأراضي الأمريكية. ورغم نجاح أجهزة الاستخبارات الامريكية في اكتشاف المحاولة وتحديد اليوم الذي ستنفذ فيه وموقع تفجيرها إلا انها بدلا من التحرك لاحباطها واعتقال الارهابيين قامت، بناء على تعليمات من مسؤولين أمريكيين كبار تربطهم علاقات راسخة بعدد من المؤسسات الاقتصادية العملاقة، بارسال فريق من القوات الخاصة لتأمين مهمتهم وضمان تنفيذها حتى يمكن استغلالها كذريعة لشن حرب في الشرق الأوسط توقف تدفق امدادات النفط العربية لإفساح الطريق أمام تدفق النفط من منطقة بحر قزوين الذي تمتلك عقوده هذه المؤسسات. وتستعرض أحداث المسلسل كيفية نجاح عميل متقاعد (بطل المسلسل) كلفه الرئيس الأمريكي بالعثور على القنبلة وابطال مفعولها، في احباط الخطة وتفجير القنبلة في الصحراء لخفض الآثار المدمرة المترتبة على انفجارها الى حدها الأدنى.. فما كان من مسؤولي هذه الشركات إلا ان قاموا بتلفيق دليل يثبت تورط دول عربية في دعم هذه العملية الإرهابية لتضمن، عن طريق هذا الدليل بالاضافة الى موجة الغضب الشعبي العارمة ازاء انفجار القنبلة، إصدار الرئيس الأمريكي الذي تظهره الحلقات في شخص آخر من يعلم أوامره بشن ضربة عسكرية انتقامية ساحقة في الشرق الأوسط للثأر لهيبة امريكا. وتصل الأحداث ذروتها بعزل الرئيس الأمريكي وتولى نائبه مكانه بعد ان اتهموه بالضعف واللين في مواجهة اخطار تتهدد الولاياتالمتحدة، فقط لأنه كان حريصا على التأكد من سلامة الدليل المقدم على تورط هذه الدول قبل اتخاذه قرارا بشن حرب مصيرية كتلك. توقيت حساس ويأتي المسلسل في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تطورات كبيرة وأحداثا متسارعة منذ وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر على واشنطنونيويورك وما تلاها من إعلان الولاياتالمتحدة الحرب على الإرهاب وقيامها بغزو افغانستان ثم العراق، قبل شهور قليلة، وإسقاط نظامي الحكم في البلدين. ويمثل عرض المسلسل في هذا التوقيت حساسية للإدارة الأمريكية التي تواجه العديد من الاتهامات والانتقادات بسبب حرب العراق التي فشلت حتى الآن في تبرير اسبابها سواء بالعثور على اسلحة الدمار الشامل العراقية التي قالت بوجودها أو بإثبات أي علاقة بين نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ومنظمة القاعدة المسؤولة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. ويأتي عرض (24) في وقت توصلت فيه لجان التحقيق التي شكلت بعد احداث سبتمبر الى أن اجهزة الاستخبارات الأمريكية تجاهلت حقائق وأدلة كان من الممكن حال تتبعها الحيلولة دون وقوع الهجمات على نيويوركوواشنطن. كما يتزامن عرض المسلسل وطرحه في الأسواق مع التقرير الأمريكي الذي صدر مؤخرا وحمل اتهامات للمملكة العربية السعودية بالتورط في دعم منفذي هجمات سبتمبر. وبهذا فإن المتابع للمسلسل لايمكنه ان يمنع نفسه من اسقاط احداثه على ما يجري على الساحة الدولية حاليا والتي تحظى فيها منطقة الشرق الأوسط بنصيب الأسد في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق والاطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين بحجة دعم الارهاب وامتلاك اسلحة محظورة. وتجلى ذلك بوضوح من خلال المواقع التي انشأها المعجبون ب(24) على شبكة "الانترنت" ممن يحملون الجنسية الأمريكية والبريطانية والتي طرح المشاركون في غرف الدردشة بها وجهات نظرهم وآرائهم التي تعرضت لكافة تفاصيل المسلسل واحداثه. وحملت هذه المشاركات العديد من التساؤلات مثل : إلى اي درجة يمكن أن يحدث هذا؟ ، بل لقد تولد لدى البعض قناعة بأن هذا هو ما حدث بالفعل؟ خاصة ان المسلسل انتاج امريكي من بطولة امريكيين. وشارك هواة الانترنت في تساؤلاتهم هذه عدد من الصحفيين البريطانيين الذين غذى المسلسل شكوكهم في نوايا الإدارة الأمريكية ولاسيما حرب العراق حيث عقد بعضهم مقارنة بين الساعين لشن الحرب في المسلسل وبعض أعضاء الإدارة الأمريكية ومنهم بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأمريكي الذي سارع بربط احداث سبتمبر بالعراق بعد وقت قليل من وقوع الهجمات على واشنطنونيويورك. أما عزل الرئيس الأمريكي نفسه فيطرح بعدا آخر للمخاطر التي قد تواجه زعيم أقوى دولة في العالم إذا فكر في أن ينهج نهجا مختلفا عن ذلك الذي يراه رجال أقوياء آخرون في إدارته، هذا بالإضافة لما يمثله الغضب الشعبي والرغبة في الانتقام من عنصر ضغط على أي رئيس يضع عينيه دائما على صناديق الاقتراع. ليست الأولى وليست هذه المرة الأولى التي تطرح فيها فكرة تورط الاستخبارات واجهزة أمنية أمريكية في عملية يضحى فيها بأرواح مواطنين امريكيين أبرياء مقابل تحقيق اهداف مدرجة على جدول أعمال سري وخاص للغاية. وسبق أن قدم فيلم (لونج كيس جودنايت) من بطولة جينا ديفيز وصامويل جاكسون والذي انتج في منتصف التسعينيات فكرة تسهيل المخابرات المركزية الأمريكية مهمة منفذي عملية التفجير الأولى بمركز التجارة العالمي عام 1993 حتى يمكن اتهام (المسلمين بعد ذلك بالمسؤولية عن العملية) وهو ما سيضمن تحقيق الاهداف المدرجة على جدول الأعمال الخاص. ولكنها بلا شك المرة الأولى التي ينجح فيها الإرهابيون في عمل درامي في تفجير قنبلة نووية على أرض أمريكية دون ان يتمكن ارنولد شوارزنيجر من التصدي لهم وابطال مفعول القنبلة كما حدث في فيلم (أكاذيب حقيقية) الذي انتج أيضا في منتصف التسعينيات من اخراج المخرج الشهير جيمس كاميرون. كما أنها المرة الأولى التي يسابق فيها البطل (الأمريكي) الزمن لايجاد الدليل لتبرئة دول عربية من تهمة دعم الإرهاب، وليس العكس، متحديا كل العقبات والتهديدات التي يضعها الحريصون على اندلاع الحرب أمامه وهو ما يمكن أن يمثل اتجاها جديدا في الأعمال الدرامية الأمريكية (سينما وتلفزيون) يعادل سيل الأفلام والمسلسلات التي تتهم الحكومات العربية والشرق أوسطية بالإرهاب سواء بشكل مباشر او غير مباشر. نجاح ساحق الجدير بالذكر أن مسلسل (24) وهو من بطولة الممثل الأمريكي البريطاني المولد (كيفر ثازرلاند) في دور العميل المتقاعد والممثل دينيس هيسبرت في دور الرئيس الأمريكي، صنف ضمن أفضل خمسة أعمال تلفزيونية في تاريخ الولاياتالمتحدة وهو من انتاج شركة فوكس العملاقة في مجال الانتاج السينمائي والتلفزيوني. كما احتل المسلسل صدارة قائمة الأعمال الدرامية التي تعرضها كافة محطات التلفزيون البريطانية وفقا لاحصائيات بي بي سي. ولعبت الواقعية الشديدة للمسلسل وتقارب احداثه مع ما يجرى على الساحة الدولية وطرحه لرؤية جديدة في تفسير هذه الأحداث دورا كبيرا في النجاح الساحق الذي حققه. كما زاد من نجاح (24) واكتسابه شعبية طاغية، اتباع مخرجيه لاسلوب فني مبتكر اعتبره النقاد مدرسة جديدة في الإخراج وهو يرتكز على استغراق احداث المسلسل وقتها الحقيقي عند عرضها على الشاشة بالإضافة الى تقسيم الشاشة الى عدة أقسام يعرض كل منها لمحور من محاور المسلسل بشكل متزامن. فالمسلسل تدور احداثه في 24 حلقة تتناول كل حلقة أحداث ساعة واحدة من يوم ملئ بالوقائع المثيرة التي يحبس فيها المشاهد انفاسه ترقبا لما ستحمله له الدقيقة التالية من المسلسل. وكان الجزء الأول من المسلسل الذي انتج قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشهور قليلة قد حصد العديد من الجوائز التلفزيونية الهامة على رأسها جائزة لمؤلفيه جويل سيرناو وروبرت كوكهاران في مسابقة (إيمي) للأعمال التلفزيونية بالاضافة الى جائزة جلوب الذهبية كأحسن عمل درامي. أما الجزء الثاني فقد رشح بالفعل الى عشر جوائز (إيمي وجلوب) من بينها أفضل عمل تلفزيوني وأفضل ممثل لبطله كيفر سزرلاند. وأدت شعبية المسلسل ونجاحه الساحق الى تشكيل عدة جمعيات في الولاياتالمتحدةوبريطانيا سمت نفسها (أصدقاء 24 ) و(المعجبين ب24). ولكن يظل هناك سؤال يطرح نفسه، وهو هل يسهم النجاح الساحق للمسلسل في اقناع محطات التلفزيون العربية لاسيما الحكومية منها بعرضه خاصة ان بعضها عرض بالفعل الجزء الأول من المسلسل. الاجابة لن تكون بهذه السهولة في ظل ما يقدمه هذا الجزء من أحداث تشكل حساسية كبيرة لهذه الحكومات مقارنة بالجزء الأول الذي لم يكن له علاقة بالشرق الأوسط من قريب أو بعيد. العميل الأمريكي"كيفر سزرلاند" يسابق لتبرئة الدول العربية القنبلة النووية انفجرت بالفعل في المسلسل _ الرئيس الأمريكي "دينيس هيسبرت" عزل لرغبته في التأكد من دليل الإدانة