جزيرة تاروت أو (عش تاروت) الاسم الأصلي الذي أطلقه الفينيقيون نسبة لمعبودتهم (عشتاروت)، آلهة الحب والجمال.. تاروت مهد الحضارات، وواحدة من أقدم مدن التاريخ، وأهم الثغور البحرية في الماضي. تقع تاروت شرق محافظة القطيف، وتعتبر أوسع الجزر الواقعة على شاطئ الخليج داخل المملكة، بل هي أكبر جزيرة بعد البحرين، وتبعد عن مدينة القطيف 5 كيلومترات داخل البحر، ولكنها اتصلت بها الآن من جهة الغرب، بسبب الاتساع العمراني. وتصل ساحة الجزيرة الحالية إلى 70 كيلو مترا مربعا تقريباً، بينما يتجاوز عدد السكان 40 ألف نسمة، أغلبهم يعملون في الزراعة، وصيد الأسماك حيث تمثل مصدراً أساسياً في صيد وإنتاج الأسماك في محافظة القطيف. كما يعمل بعض أبناؤها في الشركات، وبالخصوص شركة أرامكو السعودية. ويعود تاريخ الاستيطان في تاروت لحوالي 5 آلاف سنة على الأقل، وقد كانت مسكناً لمزيج من العشائر الكنعانية والفينيقية، قبل نزوحهم إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. وتعتبر واحدة من أقدم مواقع الاستيطان البشري. قلعة تاروت بدأنا الجولة من رمز البلدة (قلعة تاروت) الشهيرة، التي شيدت في وسط المدينة، على أرض مرتفعة، ومن على أبراجها الشامخة يستطيع الناظر مشاهدة معظم الجزيرة وشواطئها، ومن هناك يمكن مشاهدة تصافح زرقة السماء والبحر واخضرار الأرض من كل ناحية واتجاه. وعن تاريخ ومكانة قلعة تاروت تحدث لنا الباحث التاريخي علي الدرورة قائلاً: بُنيت القلعة على أنقاض هيكل عشتاروت، بجوار عين ماء اشتهرت باسم (عين العودة)، في القرن السادس عشر الميلادي، على أنقاض سابقة تعود إلى 5 آلاف سنة، وقد تم تسوير القلعة أخيراً. وأضاف الدرورة: إن القلعة، الديرة، الرفيعة، عين العودة، حمام الباشا، والشواطئ تمثل ركائز أساسية للجذب السياحي بالبلدة، للمكانة التاريخية والتراثية. إعادة تأهيل وعن مدى الاستفادة من القلعة قال جعفر العيد: القلعة بحاجة إلى إعادة تأهيل، بالصيانة والترميم، للاستفادة منها كمعلم سياحي، ينبض بالحياة والحيوية، وفتح أبوابها للزوار، وإقامة المهرجانات فيها. وأضاف جعفر: القلعة والمناطق الأثرية بحاجة للاهتمام والعناية والتبني بفعالية من قبل الهيئة العليا للسياحة، التي تشرف على التراث والآثار، من خلال إيجاد البرامج والخطط الهادفة، مثل وجود إدارة داخل القلعة أو بالقرب منها، والاعتناء بالساحات المحيطة بالقلعة، وجعلها متنزها، تتوفر فيه الاستراحات والأرصفة والمقاعد، ليصبح الموقع مهيأ لاستقبال الزوار والضيوف. الوضع غير مناسب ويضيف إبراهيم السهو المنطقة المحيطة بالقلعة ب (المهملة والترابية).. يقول: لا يوجد بالقرب منها مكان لجلوس الزوار القادمين من خارج المنطقة، إلا أرضية الشوارع. ويقترح إبراهيم الاستفادة من الأراضي المقابلة للقلعة، بفتح مجمعات تجارية ومطاعم وفنادق راقية.. يقول: يزور القلعة ضيوف من كل مكان. وقال علي آميل: تتعرض القلعة للتشويه، من خلال بناء الأراضي المحيطة بالقلعة، التي تشكل سياجاً خرسانياً حول القلعة.. ويواصل قائلاً: إن على المسؤولين في البلدية والهيئة العليا للسياحة التدخل، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بشراء الأراضي المملوكة من قبل الأهالي. حمام تاروت وحول تاريخ حمام الباشا قال الفنان التشكيلي محمد المصلي: تم بناء الحمام في العهد البرتغالي، عام 951م، واستخدمه باشوات الأتراك في العهد العثماني، ويتفرع منه (حمام تاروت)، الذي يخترق السوق التجاري، وقد تم ردمه مؤخراً، وحول إلى حمامات سباحة حديثة. وتحدث لنا مصطفى المديد، الذي يعمل في مخبز مقابل القلعة، قائلاً: يتردد كثير من الزوار على القلعة من داخل المملكة وخارجها، وبشكل دائم، وهؤلاء الزوار يعانون من عدم وجود مكتب، أو مرشد سياحي، أو حارس يفتح لهم القلعة ويتحدث لهم عن تاريخها. وأضاف مصطفى: في الصيف تصبح الحمامات بركا خالية من المياه، لعدم وجود الماء في العين. وينبغي على المسؤولين إيجاد حل لذلك، بتوفير المياه في كل الأوقات للحمامات، والاعتناء بنظافتها. زيارة من الرياض والتقينا بعبدالرحمن السعد (معلم من الرياض)، جاء برفقة عائلته.. يقول: هذه المرة هي الأولى التي أزور فيها هذه الجزيرة، وبالتحديد القلعة، التي سمعت عنها كثيراً، وحرصت في زيارتي هذه للشرقية على زيارة الجزيرة والقلعة، لما تمثله من معلم أثري بارز للمنطقة. ويضيف عبدالرحمن: القلعة بحاجة للاهتمام والعناية بشكل أفضل، لتصبح معلماً سياحياً راقياً، وبمستوى سمعة قلعة تاروت التاريخية.. ويبدي أسفه الشديد للجهد الكبير الذي بذله في الوصول للقلعة، لعدم وجود لوحات إرشادية. ساباطات الديرة الديرة عبارة عن بيوت طينية وحجرية متراصة، ذات أزقة ضيقة، وبالتجول بين أزقتها تفوح رائحة الماضي السحيق والتاريخ العميق، وبالعبور تحت أسقف سباطاتها ترتسم ذكريات أجيال وأجيال مرت من هنا. وحول الديرة تحدث لنا الفنان التشكيلي عبدالعظيم الضامن، بقوله: الديرة هي إحدى المناطق الأثرية التي كانت عامرة بالاستيطان البشري على مر العصور، ولقد تم اكتشاف مقابر وأدوات مختلفة فيها، من بينها أوان مصنوعة من الحجر الصابوني. وأضاف الضامن: تاروت، وبالخصوص الديرة، منطقة غنية بالآثار، بل تعتبر ربما المنطقة الوحيدة في الخليج التي مازالت تحتفظ بشكلها العمراني القديم، من مبان وأزقة ساباطات. ويعتبر الضامن الديرة بأنها تمثل ثروة إنسانية كبيرة، ليس على مستوى المملكة فقط، بل على مستوى الخليج والعالم، ولهذا لا بد من الاهتمام بهذا التراث، والمحافظة على شكله وهيئته، وعدم السماح بقدر الإمكان بتغيير نسيج هذا التراث.. مطالباً الهيئة العليا للسياحة المسؤولة عن الآثار بإيجاد البرامج العملية للمحافظة عليها. منازل آيلة للسقوط وعن المنازل المهجورة بالديرة قال الحاج علي السادة: كثير من مباني الديرة الأثرية مهجورة ومهملة، ومعرضة للسقوط والانهيار في أي لحظة، كما أنها تمثل خطراً كبيراً على الأسر المجاورة لها، وتهدد بوقوع خسائر كبيرة في الأرواح. وأضاف السادة: أصبحت البيوت المهجورة مأوى لأصحاب النفوس الضعيفة، الذين يترددون عليها، وهذا يسبب قلقاً وخوفاً لدى الأسر المجاورة، خاصة عندما يحدث حريق لا سمح الله، وقد تم رفع شكوى للمسؤولين عن ذلك الخطر. وعن الرفيعة تحدث الفنان محمد المصلي: هي عبارة عن منطقة بالقرب من شاطئ البحر، اشتهرت بالآثار الضاربة العمق في التاريخ، فلقد تم فيها اكتشاف آثار كبيرة. الشواطئ وحول الشواطئ التي تحيط بتاروت قال محمد الزاير: شواطئ تاروت ما زالت بكراً وغير مستفاد منها، ونأمل من البلدية والمسؤولين تهيئة الشواطئ، للتردد والاستفادة منها كمتنزهات وكورنيش مثل كورنيش الدمام والخبر والقطيف. ويبدي الزاير ألمه من أن نعيش في جزيرة، ولا نجد مكاناً مهيأً، نذهب إليه برفقة العائلة، للتنزه والترفيه. وقال جعفر البحراني: تفتقد تاروت للكثير من الاحتياجات الضرورية، التي تهم العائلة والشباب، مثل الحدائق والمتنزهات والكورنيش ومدن الترفيه.. ويتساءل جعفر قائلاً: أين تذهب العائلة إذا ملت الجلوس في المنازل؟ مستشفى تاروت وعن مستشفى تاروت تحدث علي الصفار: قبل 30 سنة تقريباً، وعندما كان سكان الجزيرة قليلين كان يوجد مستشفى عام بالجزيرة، والآن عندما أصبح عدد سكان الجزيرة أكثر من 42 ألف نسمة لا يوجد مستشفى عام.. مضيفاً: أقرب مستشفى لتاروت نحتاج في الوصول إليه أكثر من نصف ساعة، وهذا الوقت طويل بالنسبة للحالات الطارئة، ولذا ذهبت أرواح كثيرة، كان يمكن إنقاذها لو كان في تاروت مستشفى عام. وحول أرض المستشفى السابق قال الصفار: شُيد مكان المستشفى العام السابق مركز للرعاية الصحية الأولية، والمركز لا يقوم بدور المستشفى، والحاجة أصبحت ملحة لوجود مستشفى عام بالجزيرة، في وقت الذي يزداد فيه عدد السكان والأحياء. مبان مستأجرة حول مباني المدارس قال فاروق الحماد: مدارس تاروت تفتقد للمباني الحكومية، فمعظم المدارس عبارة عن بيوت مستأجرة، ولأن أغلب بيوت تاروت صغيرة فالمدارس صغيرة المساحة، وضيقة الفصول، ولهذا فهي لا تؤدي الدور التعليمي المطلوب، بل إنها تمثل خطراً كبيراً على أبنائنا، لافتقادها لأصول السلامة. وأضاف الحماد: يوجد في تاروت مدرسة عزيزة على الجميع، لأنها المدرسة الأولى التي شُيدت كمبنى حكومي، وهي مدرسة تاروت المتوسطة، وهي مهجورة ومهملة منذ أكثر من 20 سنة تقريباً، حيث أصبحت أطلالاً، وعلى وزارة التربية والتعليم هدمها وإعادة بنائها، في ظل عدم وجود أراض حكومية لبناء المدارس، وفي ظل زيادة عدد السكان. شباب تاروت فئة الشباب في تاروت هي الفئة الأكبر. وعن طموحهم ومعاناتهم قال فؤاد السيف: شباب تاروت كبقية شباب العالم يريد أن يستمتع بهذه المرحلة، ويستفيد منها، في بناء نفسه ومستقبله وكثير من الشباب يبحث عن النجاح والتميز، من أجل مستقبل أفضل. وقال موسى الجعفر: نعاني نحن الشباب من الفراغ والملل، بالخصوص في الإجازة، فتاروت لا يوجد فيها حدائق، أو متنزهات، أو مدن ترفيهية، أو أندية قادرة على تحقيق مطالب الشباب. وعن تجمع الشباب وسط الأحياء تحدث محمد الزاير، قائلاً: بسبب عدم وجود أماكن للترفيه والتسلية يتواجد الشباب في الشوارع ووسط الأحياء، على شكل تجمعات، مما يسبب مشاكل لهم ومضايقة للآخرين.. مضيفاً: نأمل إيجاد أندية وحدائق ومتنزهات في تاروت، لتسلية الشباب، والاستفادة من أوقات الفراغ. ناد محدود الإمكانيات وحول دور الأندية في تاروت قال جعفر البحراني: يوجد في تاروتالمدينة نادي الهدى، ولكن إمكانياته ضعيفة جداً، ووضعه لا يلبي طموح ورغبات الشباب. فيما قال مسؤول النادي طالب الدرويش: نادي الهدى تأسس عام 1976م (1396ه)، وقد حقق النادي، بفضل الله عز وجل، ثم بفضل جهود شبابه، بطولات كثيرة على مستوى المملكة، خاصة في الألعاب الفردية (السباحة، السلاح، الجمباز، رفع الأثقال، الكاراتيه، التايكوندو.........). عن ضعف إمكانيات النادي قال الدرويش: أرض النادي مستأجرة، وهي صغيرة، والقدرة الاستيعابية جداً محدودة، ولهذا فالنادي غير قادر على تلبية طلبات شباب تاروت. وأضاف: المهرجانات والمسابقات وصالات الألعاب والمسابح والملاعب بحاجة إلى دعم مادي كبير. الجمعية بميزانية ضعيفة عبد رب الأمير السني رئيس جمعية تاروت يقول: تأسست جمعية تاروت عام 1387ه، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن وهي تقوم بدور رائد في خدمة المجتمع، ودور الجمعية لا يتوقف عند حدود تحسين المساكن وتوفير الغذاء والاحتياجات الأساسية للمحتاجين، بل لها دور كبير في رفع مستوى الوعي الصحي والثقافي والاجتماعي والديني للفرد، من خلال البرامج التي تقوم بها الجمعية بشكل دائم، مثل المهرجانات، المسابقات، الزيارات، الندوات، المساعدات، الدورات التدريبية، التعليمية وعبر لجان كثيرة. وأضاف عبد رب الأمير: المساعدات التي تحصل عليها الجمعية من الوزارة قليلة جداً، بالمقارنة بالأعمال والمسؤوليات التي تقوم بها الجمعية، والمساعدات التي تقدم للفقراء والمحتاجين لا تكفي، وليست بالمستوى الذي نسعى إليه، ولكن هذه حدود إمكانياتنا. ونأمل تلبية احتياجات جميع المحتاجين قريباً. اتساع الفقر وعن الفقر والفقراء قال عيسى العيد: كان أغلب سكان تاروت يعملون في الزراعة والصيد، وبسبب الطفرة تأثرت هذه المهن كثيراً، وأصبح معظم هؤلاء عاطلين عن العمل، وعلاوة على ذلك توجد نسبة كبيرة من الشباب بدون عمل، وهذا يساهم في زيادة عدد الفقراء. وقال علي البحراني: بسبب الفقر المدقع في تاروت توجد منازل تفتقد للأساسيات المعيشية الصحية ومتطلبات السلامة، حيث يوجد أكثر من 80 منزلاً عبارة عن صفيح، خاصةً في حي الأطرش والخارجية. مجمع سكني والتقينا بأحد أصحاب هذه المنازل، وهو مهدي الخباز، الذي يقول: أسكن في هذا المنزل مع 7 من أولادي، والمنزل عبارة عن غرفة واحدة فقط وخدمات.. وأضاف الخباز: يوجد في مدينتي من يعيش في مثل وضعي، ونأمل من المسؤولين في بلادنا العزيزة وأصحاب الأيادي الكريمة بناء مجمع سكني للمحتاجين والفقراء، على أن يكون المجمع في نفس المدينة، حتى نتمكن من الاستفادة منه بشكل صحيح، لأن المرء سيكون بين أهله وأصدقائه. أين المستثمر؟ وحول الإمكانية الاستثمارية في تاروت قال عبد رب الرسول آل رامس: يتطلع أهل تاروت إلى الاستفادة من الاستثمار في بلدتهم، التي تتوفر فيها كل مقومات النجاح، من شواطئ وآثار وتراث وبساتين وعدد سكان كبير. وأضاف آل رامس: الجزيرة بحاجة للاستثمار، بإنشاء مراكز تجارية كبيرة ومشاريع ترفيهية، وإن هذه المشاريع ستساهم كثيراً في سد فجوة الفقر والفقراء في الجزيرة. خطر العمالة السائبة قال محمد عيسى: العمالة السائبة في تاروت تشكل خطر كبير جداً على الاقتصاد، كما ان لها أثر سلبي كبير في التأثير على المزارعين والتجار، فهؤلاء يسيطرون على المزارع، ويتحكمون في أغلب المحلات التجارية.. مضيفاً: العمالة الأجنبية تنافس شباب البلد وأصحاب المحلات، وكثير من المحلات التجارية في تاروت معرضة للإغلاق، بسبب المنافسة غير الشريفة من قبل هؤلاء. قلة المياه وحول شح المياه قال علي آميل: تعاني تاروت قلة مياه الشرب والزراعة، والسبب أنها تعتمد على مياه الآبار، وكما هو معروف فإن أغلب الآبار تعرضت للجفاف، والخزانات الموجودة لا تؤدي الهدف المنشود منها، فهي قليلة واستيعابها أيضاً قليل، وطرمبات الدفع للمياه دائماً معطلة. ويطالب علي المسؤولين بضرورة إيصال المياه المحلاة إلى الجزيرة، كبقية المناطق. تاروت المستقبل وقال محمد السيف: شهدت تاروت تطوراً عمرانياً كبيراً خلال الفترة القصيرة الماضية، وتضاعفت مساحتها، كما ظهرت عدة أحياء جديدة راقية، حيث أصبحت تاروت الحديثة جميلة بشوارعها الواسعة والنظيفة وكثرة الأشجار على جوانب شوارعها، إلا أن هذه الأحياء تعاني من شح المياه وطفح المجاري. مشاريع وتوسعة وعلمت (اليوم) من أحد المسؤولين في بلدية تاروت بأن مستقبلها مشرق، وستشهد تطوراً في جميع مجالات الخدمات، وهناك مشاريع جديدة سترى النور قريباً، والبلدية سلمت مقاول مشروع صيانة وترميم الشوارع. وأضاف المسؤول: سلمت البلدية مقاول مشروع إنشاء قناة مائية تحت جسر تاروت، وتوسعة الجسر، وإقامة مشاريع تطويرية واستثمارية حول الجسر، وأعمال المشروع مازالت جارية. وحول إنشاء جسر آخر للجزيرة علمنا بأنه تم الانتهاء من الدراسات والتخطيطات لهذا المشروع. الساباط والحمام المعلق