الزائر للمنطقة الشرقية وخاصة من يتجه صوب شمالها عبر زيارة القطيف التي تقف مختالة على شاطئ الخليج، حيث تضم بين أضلعها عدداً من المدن والقرى التي تتناثر بين النخيل، وعلى رمال الشاطئ، إلا أن الجولة هذه لن تكتمل لفهم العمق "التاريخي والاقتصادي والحضاري" لهذه المنطقة حتى تزور جزيرة (تاروت) التي تختزل جزءاً كبيراً من تاريخ شرق المملكة. تقع جزيرة تاروت على الضفة الغربية من الخليج العربي. وهي ثاني أكبر جزيرة في الخليج بعد جزيرة أوال أو ما يسمى الآن ب (البحرين)، وتقع شرق القطيف داخل خور واسع من البحر يحيط به غرباً ساحل القطيف وجنوباً ساحل الدمام وشمالاً رأس تنورة الممتد إلى محاذاة الجزيرة من الشرق، وتعتبر جزيرة تاروت أوسع الجزر الواقعة على شاطئ الخليج داخل المملكة، بل أكبر جزيرة فيه بعد جزيرة البحرين وتبلغ مساحتها حوالي 70 كم2. تاريخ تاروت يرجع إلى أكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد، فهي من أقدم البقاع التي عاش فيها الإنسان، ومن أقدم بقاع شبه الجزيرة العربية، وهي إحدى مكونات واحة القطيف في المنطقة الشرقية من السعودية، وقد أخذ اسمها من عشتار أو عشتاروت التي ترمز إلى ( الحب والحرب ) عند البابليين والكنعانيين ومنهم الفينيقيون. وكانت جزيرة تاروت هي أهم مراكز مملكة دلمون وصاحبة الدور الكبير في تاريخ المنطقة خلال أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وقد استمر الاستقرار البشري فيها بكل عنفوان ونشاط دلت عليه الاكتشافات الأثرية خلال تلك القرون وحتى يومنا هذا، وهو أمر يندر حدوثه في الكثير من المناطق الأثرية في العالم، فكان لها الدور الأكبر في الحياة التجارية في الخليج، حيث اعتمدت عليها تجارياً بلاد الرافدين وبقية المنطقة الساحلية في شرقي شبه الجزيرة العربية، وارتبطت بعلاقات وطيدة مع الكثير من المناطق المتحضرة في المنطقة. قلعة تاروت تقع قلعة تاروت في وسط جزيرة تاروت في طرف حي الديرة، وقد تم بناء هذه القلعة بين عامي 1515م- 1521م ، ولكن من غير المعروف حتى الآن من الذي بناها رغم ترجيحات بعض بحاثة الآثار من أن أهالي القطيفوتاروت بنوها لتحميهم من هجمات البرتغاليين إبان غزواتهم إلا أن بعضاً آخر من البحاثة يرى أن الغزاة البرتغاليين هم الذين بنوها لتحميهم من هجمات الأتراك ضدهم إلا أنهم اضطروا لتسليم القلعة عام 1559م وخرجوا من تاروت إلى جزيرة أوال (البحرين) الآن. وتتكون القلعة من 4 أبراج، وفناؤها مستطيل تتوسطه بئر عميقة يعتقد أنها لتخزين المؤونة في فترات الحصار، وتزخر دارة الملك عبدالعزيز بكثير من المقتنيات الأثرية ذات الدلالة التاريخية المهمة، التي تم اكتشافها في منطقة قصر تاروت الأثري، وكان آخر ما اكتشف هو مدفع حربي قديم، يعود بتاريخه لنفس الحقبة الزمنية، وهو موجود في متحف الدمام الإقليمي. وتمثل تاروت أحد أهم الثغور البحرية للمملكة ، فكانت في الماضي ميناءً حيوياً ترسو فيه السفن القادمة من موانئ الخليج ومن بحر العرب ومن بلاد الهند. وتاروت هي المدينة الأم التي سميت بها الجزيرة، وتتمركز في جزيرة تاروت يحيط بها القرى الصغيرة التي تتبعها. ويعرف وسط تاروت أو الحي القديم فيها هذه الأيام بالديرة التي هي المركز الأساس للقرى التي استحدثت في فترات متفاوتة، ويعد حي الديرة الحي الأقدم في الجزيرة، حيث يعود تاريخه إلى عهد الفينيقيين، وفيه ترى البيوت الطينية والحجرية متراصة، ذات أزقة ضيقة وممرات، وبالتجول بين هذه الأزقة ترتسم في مخيلتك ذكريات الماضي السحيق والتاريخ العميق وقد كان للديرة سور يحيط بها ويصد هجمات المعتدين عنها، ويحدها من جهة الغرب حصن تاروت ويعتبر الحصن الحصين في هذه الجزيرة، ويقع على ربوة عالية تعتبر أرفع مكان في الجزيرة وللشمال منه. ويوجد عين تاروت الذي يعرف ب (حمام تاروت)، حيث كانت المورد المائي الوحيد سابقاً. ومن المقتنيات الأثرية المهمة التي تم العثور عليها في تاروت تمثال من الذهب الخالص ل (عشتاروت) عثر عليه في أحد بساتين النخيل بتاروت ملقى على الأرض وهناك الكثير من التماثيل والأواني النحاسية والفخارية والأسلحة التقليدية التي اكتشفت بتاروت موجودة في متحف الرياض، كما يوجد بها القلعة البرتغالية الموجودة في الديرة وهذه القلعة رممت عام 951 ه وهي على أنقاض مستوطنات سابقة يعود أقدمها إلى 5 آلاف سنة مضت. كما يوجد بها قلعة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الفيحاني التي بنيت عام 1303ه وقلعة أبو الليف الموجودة في البحر بين جزيرة تاروتوالقطيف، والمساجد الثلاثة على طريق القطيف القديم . وبجولة سريعة في أحياء تاروت ستلمس القفزة العمرانية الكبيرة والتطور المذهل قد شمل كافة مناحي الحياة، ففي مستهل تلك الجولة يستقبلك الجسر الجديد الذي ينقلك من كورنيش القطيف إلى أحضان جزيرة تاروت، هذا الجسر يعد الثاني الذي يصل تاروت بما حولها، فيما تجري العدة للبدء في إنشاء جسر ثالث سيربط الجزيرة من جانب دارين بحاضرة الدمام، وخلال جولتك يستوقفك كورنيش دارين الذي أنشئ على أحدث طراز والذي يمثل واجهة عصرية ومكاناً دافئاً لاستقطاب العائلات، ثم سترى نفسك تقف أمام ميناء دارين المخصص كمرسى لسفن الصيد، ولدى مواصلتك للجولة ستخترق أحياء حديثة تضم آلاف المنازل المخدومة بكل ما تحتاجه.