قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد ( لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون) آية 10 سورة الأنبياء.. العقل في اللغة.. بمعنى المنع والحجر والنهي والحبس، كعقل البعير بالعقال لمنعه من الحركة، ولدى الإنسان قوة تسمى العقل هي التي تصونه من الجهل وتحميه من الانزلاق فكراً وعملاً، ولهذا قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( العقل عقال من الجهل). ويقسم العلماء العقل إلى العقل النظري، وهو عبارة عن مبدأ للإدراك، سواء كان الهدف من الإدراك هو المعرفة أم العمل، أي إدراك ما ينبغي أن يعلم، وإلى العقل العلمي، وهو مبدأ للدوافع والمحفزات، ومهمته تنفيذ مدركات العقل النظري، أي معرفة ما ينبغي أن يعمل. وهناك من العلماء من يرى أن العقل العملي والنظري أمر واحد، وهي القوة المدركة المودعة من قبل الله سبحانه وتعالى في الإنسان، وان كان قد يصطلح عليهما باسمين مختلفين. ومما تقدم يتبين لنا أهمية هذه المنحة الإلهية، بل إنها أثمن هدية من الباري سبحانه للإنسان كما روي عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( العقل هدية الله). ومن خلالها أعطاه حرية الاختيار ( لا أكراه في الدين) آية 256 سورة البقرة. والعقل يعتبر موجها باطنيا للإنسان، ومن خلاله يكتشف الخير من الشر، والضار من النافع، ويميز الخبيث من الطيب ويعرف ما له وما عليه، وكيف يصعد بنفسه إلى أعلى قمة الهرم ان أراد ذلك، أو ينزل بها إلى أسفل الحضيض. وعندما ركب العزيز العقل المدبر في الإنسان ليكرمه على سائر المخلوقات، وليصبح خليفة في الأرض، وليهديه إلى الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وبه يتدبر نعم خالقه عليه، فيتجه لعبادته، حيث انه المستحق لذلك، ويخلص له أعماله ويسترشد بأقواله، ويأتمر بأوامره وينتهي عن نواهيه. فمن أيقظ عقله في هذا الاتجاه وصحح فكره بما يرضي الله تعالى فقد استفاد من هذه النعمة خير استفادة والعكس صحيح، وسلوك الإنسان في هذه الحياة وعطاؤه يحددان مدى استقامة هذا الفرد أو انحرافه. كما روى عن الإمام علي عليه السلام: ( ثمرة العقل الاستقامة). ان هذه العطية الربانية التي من خلالها يحاسب الإنسان ويحدد مصيره اما إلى جهنم أو إلى رضوان. لذا على الإنسان الرشيد أن يستثمر عقله في طريق الكمال والرقي إلى الجليل سبحانه ليجد لذة الحياة، وتسمو روحه إلى الملكوت الأعلى فيرى عجائب ربه. وللوصول إلى هذا الهدف العظيم، خاصة ونحن نعيش في عصر الانفتاح العالمي والغزو الثقافي الغربي، وفي ظل المتغيرات العالمية التي تشهدها وللتمييز بين الغث والسمين، لابد أن يقوم كل منا بدوره من الأسرة والمدرسة وصولاً بالمجتمع والدولة . فعلى رب الأسرة أن ينشئ أبناءه على تقوى الله في السر والعلن والتمسك بالعقيدة الإسلامية دون تطرف أو مغالاة ، وعلى المدرسة أن تنمي في طلابها التفكير الخلاق، والنقد البناء، وتشجيعهم على الحوار الهادف والإبداع في العمل، أما المجتمع فعليه تقبل التنوع الفكري والمذهبي في الإسلام، واختلاف الآراء وعدم شحن النفوس بما يؤدي إلى الكراهية والتعصب بين الناس . وواجب الدولة العمل على تقوية الوحدة الوطنية، وردم الفجوة بين المواطن والحكومة عن طريق توسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات، التي تؤدي إلى طمأنينة المواطن وسعادته ورقي الوطن وقوته، وعمل الملتقيات والندوات الفكرية بين مختلف الاتجاهات لتقليل الهوة بينها وكما قال الشاعر : نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف إذا علينا أن نقدر نعمة العقل ولا نجعلها نقمة بسبب الجهل الذي يستحوذ على تفكير البعض أو حب الشهوات وحب الأنا (الذات) واتباع سبيل الشيطان وبعد فوات الأوان لا يمكن الاستغفار مما كان . عبد الله علي الجنوبي