في كتاب الشاعر فؤاد رفقة الصادر اخيرا باسم (امطار قديمة) مسائل قد تجعل القارىء يميل الى وصفها بالعتيقة انطلاقا من معاني هذه الكلمة القديم الذي لا يزال ينطوي على جدة . الا انه سرعان ما يتنبه الى ان الشاعر قد يكون سبقه الى ذلك الاستنتاج وجره اليه. فربما كانت ثقافة رفقة الفلسفية قد لعبت لعبتها في عنوان الكتاب. فالقديم عند علماء الكلام ضيوف الفلسفة الدائمين ومستعيري انماط تفكيرها وتعبيرها ..هو الباقي المستمر. وموضوعات كتاب رفقة رافقت الانسان دائما فليس لها عهد يزول ولا دولة تأفل. ومع ان الشاعر تناول عدة موضوعات ليست كلها (شعرية) بطبيعتها فقد كتب بشعرية لم تفارقه. وليس من غرابة في ذلك بل قد تكون الغرابة ان يفارق (الشعري) الشاعر. ويتصاعد من بعض موضوعات الكتاب كلام كفل بكثير من الرموز الدينية. لقد نقل رفقة في كتابه كثيرا من صور حياته ومشاعره وافكاره فجاءت منيرة موضحة لمن لم يعرفه ..وصحيحة متوقعة عند من عرفوا مايكفي عنه . في مقدمة حملت عنوان (تعريف) يقول رفقة احد اوائل شعراء مجلة شعر واستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية الامريكية ان كتابه (يشتمل على أزمنة أربعة..أزمنة الشعر. أزمنة الضيق. أزمنة الحريق وأزمنة الرفاق...في الظاهر هذه الازمنة متباعدة الدروب والمسالك لكنها في الحقيقة تلتقي في نقطة واحدة عنوانها امطار قديمة) يتابع الكلام فيما اراده مقدمة فجاء اقرب الى قصيدة فيقول عن موضوعات كتابه التي نشر معظمها في صحف لبنانية هذه اأامطار قديمة لأنها سقطت على اراضي الثمانينات من القرن الماضي. بعضها سقط على الشوك وبعضها على الصخور. بعضها على الرمال. وهكذا عادت جميعها الى البحر لا عشبة وراءها ولا قطرة ماء. ويختصر ما يمكن وصفه عند كثير من الشعراء ورجال الفكر بانه حصاد الخيبات فيقول وبعد الاسفار في شعاب هذه الارض وقفارها يعود صاحب هذه الامطار اليها. يقراها. يكتشف انها غابة من الهلوسات. يضحك. على ظهره يستلقي من الضحك ويفتح عينيه فيرى في الجو باشقا يدور فوق الينابيع يدور وفي ريش اهدابه شعلة الجنون. فجأة يتوقف عن الضحك. غيمة من الكآبة تزنر راسه. يتذكر ان هذا الباشق كان صديقه ايام عزلته الطويلة في مغاور الجبال. الكتاب الذي جاء في 131 صفحة صدر عن دار النهار للنشر بالتعاون مع مؤسسة ناديا تويني. وفي سخرية شديدة الجدية يقول رفقة في مكان من ازمنة الشعر متحدثا عما سماه عبارات تقويمية في تراثنا منها القول فلان اشعر العرب. وفيما بعد صارت العبارة فلان امير الشعراء . والحقيقة في رأيه هي ان الشعر فلاح بسيط يسعى الى ارضه كل صبح يحمل المحراث ينقب التربة ويزرعها وآخر النهار الى كوخه يعود حالما بالخبز . انه كمؤمن يتجنب الاماكن العامة والساحات والالقاب وكمؤمن في قلبه الاسرار والصمت. ويتحدث عن التراث والبكاء عليه وعن الصرخات التي تطلق في وجه محاولات التجديد باسمه فيقول في مناطق من العالم محاولات جنونية في الابداع الشعري وما من اصبع تراثية تتحرك. ونحن. ان الحي من تراثنا سيبقى وان بقاءه (هو) في صراعه المستمر مع امواجه المتناقضة فهذه الأمواج فيها الدفع والحيوية. انه بهذه الأمواج التي هي منه وفيه يتمكن من الانطلاق وراء حدودنا. لا خوف على التراث الحي. الخوف ان تمنعه دموعنا من الاستمرار حيا. اما قضية الحرية فهي مركزية في كل تفكيره ويعتبرها ضرورة اساسية في نمو حياة العرب وتطورها. فالانسان العربي يعيش الخوف وخوف الانسان العربي لا يجيء في الدرجة الاولى من المجاعة ولا حتى من الحروب. يبدأ برؤية الجرح والاعتراف بوجوده حتى العظم. الحل يبدأ بالتحرك . ان معركتنا من اجل الحقيقة وصوابها باطلة من دون الحرية. وفي نهاية النهايات قضية الانسان العربي حتى اشعار اخر تدور وتدور . ثم تشتد وتيرة الحالة النفسية فتتحول بوضوح الى شعر. يقول لوكنت شاعرا ما تغني. انت لو كنت جائعا وفي البراري تبحث عن جرادة اي شيء تريد. وماذا لوكنت بلا حجر تسند اليه الرأس. وانت ايها الجائع الدهري . انت من اين. انا من بلاد الجلجلة. يروي رفقة ومن داخل النفس بشكل خاص بعض قصة حياته وكثيرا عن الاخرين من الاحبة الذين رحلوا. ففي ازمنة الرفاق يتحدث عن رفاق عمر او طريق او اسماء معارف علقت في نفسه. يكتب ذكرياته عن الشاعر يوسف الخال قبل مجلة شعر وخميسها وبعدهما وعن الشاعر خليل حاوي والروائي يوسف حبشي الاشقر والفنان النحات ميشيل بصبوص والشاعر الياس ابو شبكة الذي لم يعرفه ولم يكن من جيله وعن جبرا ابراهيم جبرا المتعدد المواهب وعن رياض فاخوري الشاعر والصديق. في ازمنة الضيق يكتب عن بيروت في ايام محنتها الطويلة بعد مجد غبر فيقول بيروت ايتها الجزيرة اين المراكب والفوانيس اين الوجوه المخمرة بالشمس. خلجانك تمحي وبلا مراس هي الاشرعة. بيروت ايتها الغامضة الملامح متى الى ارضه يرحع الزارع يرش البذار... ويكمل رفقة ذلك القروي ولو في مدينة انوار والذي يحمل هو نفسه بعض اسماء اعطاها لمجموعاته الشعرية ومنها (البيدر) و //الحطاب// فيقول // اه يا زمن القطاف. ساهر هو القلب. ساهرة هي السلال. وعلى المشارف القناديل. ولكن متى يجيء الوقت. متى على المداخل ترتفع الاقواس.