لم يسجل التاريخ البشري منذ بدء الخليقة انسانا قد اكتملت له كل الصفات ودنت له جميع الملذات والرغبات وتنحت عن طريقه كل الهموم والمكدرات، وهذا الذي لن يكون أبدا حتى يرث الله الأرض وما عليها!. تلك بدهية يفهمهما الناس أجمعون مؤمنهم وكافرهم من واقع الخبرة المكتسبة من الحياة المعاشة. لكن إذا كان والأمر كذلك، فما الذي يحدو بأفراد من مجتمعات غربية قد حازوا قصب السبق في تملك أكمل الصفات الظاهرية من صباحة وجوه وقوة أبدان وصحة أجسام وبيئة خلابة نسأل الله الجنان!، ما الذي يحدو بهم رغم كل تلك النعم الى التخلص من حياتهم؟!. المسألة ببساطة أنهم يريدون تكميل النواقص في حياتهم، فلا كدر مطلوب ولو كان بسيطا، ولا شهوة ناقصة ولو كان غيرها أعلاها موجودا!. وتسمع من شأن أولئك عجبا!، فهذا أهلك نفسه لا لشيء إلا لأن محبوبته قد تخلت عنه!، وذاك أجهز عليها لمتاعب واجهته في عمله! وهلم جرا. واذا كنا واجدين لأولئك العذر فيما يطمحون إليه من تحصيل الكمالات المادية والشهوات الدنيوية كونهم لا وجود لحياة أخرى في اعتبارهم ولا حساب ولا جزاء!، فإن المستغرب حقا أن تتسرب تلك الصور الى مجتمعاتنا الاسلامية والتي من المفترض أن يكون الفرد فيها مؤمنا بأن الدنيا لم تخلق لتحصيل أعلى الشهوات والاغراق في اللذات، إنما وجدت أصلا لتحقيق الصفات التي تؤهل المرء لاحقا للعيش الرغيد الذي لا مزيد وراءه في جنان الخلد، وهاهو المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلنها مدوية (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وهنا يحق لنا أن نعجب من أناس من بني قومنا أسرفوا كما أهل المجتمعات الأخرى في تتبع وسائل التكميل والتحسين والتجميل، فهذا امرؤ لم يعجبه أنفه المعقوف فأراد جعله مستقيما كسلة السيف!، وتك أخرى قد أفسد عليها التفكير في مسألة الثدي كونه صغيرا ، أمر دنياها فأبت إلا انفاق الأموال الطائلة تكبيرا له!!، وثالث ورابعة على هذا المنوال، وكأن السعادة لا يمكن حوزها إلا لمن ملك الصفات الجسدية العلا وحاز الجمال المدوي والسناء!. نعم، لا علاقة للسعادة أبدا بحيازة أي كمال مادي!، وإلا فبالله عليكم فاسألوا ذاك الشخص المرح والذي تخال السعادة تطفر من عينيه، مع دمامة خلقته وبعد كبير عن أي ملمح جميل في هيئته!، اسألوا ما الذي يجعله سعيدا؟!، على حين أن الكدر والهم والغم لما يزايلان آخر ذا وجه فاتن صبوح!. المسألة ببساطة أن الأول قنع بما حباه الله وانصرف بكليته عن التفكير في ذياك الأمر، وله في بقية نعم أنعم الله بها عليه مجال رحب للتلذذ. خاتمة: هي وصفة سحرية للسعادة بعد وجود الايمان، استغل كل نعمة كملت لديك أو بها نقصان، إلى أبعد الحدود ما جاوزتك خصلتان: بلوغ درجة العصيان أو ولوج دركة اكبر والطغيان.