فرضت قضية المياه على مسرح الأحداث الدولية والعربية وذلك من خلال مؤتمرين هامين عقدهما الأمير طلال بن عبدالعزيز رئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية والمبعوث الخاص لليونسكو للمياه بعد اعلان الأممالمتحدة عام 2003 عاما للمياه بهدف نشر الوعي وإثارة الحلول لهذه القضية التي تتفاقم أزمتها عاما بعد آخر وأصبحت تهدد باشتعال الحروب والصراعات المسلحة بين الجيران خاصة في الدول النامية. فقد عقد المؤتمر الأول هذا الأسبوع في معهد اليونسكو للمياه بمدينة ديافيت الهولندية تحت عنوان (حاجات بناء القدرة في البلدان التي تعاني شحا مائيا والآليات الممكن اتخاذها لايجاد التمويل والشراكة اللازمين لمواجهة تلك الحاجات) حضره وزير التعليم والثقافة والعلوم الهولندية ومدير عام اليونسكو ورئيس اللجنة الفرعية للمياه العذبة في اليونسكو ومدير المعهد. في هذا المؤتمر ازاح الأمير طلال الستار عن أسباب أزمة المياه في العالم خصوصا في الدول النامية ومنها المنطقة العربية حيث ذكر سموه ان مشكلة المياه تعد من أهم التحديات التي تواجه البشرية في مطلع الألفية الثالثة. وقد تفوق خطورتها الأزمات التي تواجه الإنسانية باعتبارها مشكلة بقاء, وأشار سموه الى ان عدد سكان العالم قد تضاعف ثلاث مرات خلال القرن العشرين في حين تضاعف استخدام المياه ست مرات وان هناك أكثر من مليار شخص محرومون من المياه الصالحة للشرب وحوالي 204 مليارات شخص محرومون من الصرف الصحي, واضاف سموه ان هناك كثيرا من البلدان النامية معرضون لتفاقم المشكلة في المستقبل القريب بسبب الزيادة السكانية فيها وعدم زيادة المعروض من المصادر الجديدة للمياه وان دول المنطقة العربية خصوصا منطقة الخليج واليمن والأردن أكثر عرضة لهذه المشكلة, واضاف سموه ان ذلك يقتضي الإسراع بترشيد استخدام المياه واللجوء الى سياسات تعمل على ضبط التشريعات المختلفة للمياه والتوقف الفوري والنهائي لزراعة بعض أنواع الحبوب والأعلاف التي تستنزف أكثر من 80% من مصادر المياه الجوفية. وناشد الأمير طلال الدول التي تعاني شحا مائيا الى تحسين إداراتها ورفع كفاءة مؤسساتها لتقليل الفجوة بين المعروض من المياه والطلب المتزايد لسد حاجات التنمية وذلك بمواجهة مسؤولياتها بنظرة شمولية تتجاوز المفهوم التقليدي الذي يقوم على توزيع المياه بين مؤسساتها بصورة مستقلة او منعزلة او تنافسية أحيانا بحيث يتسنى لهذه المؤسسات معالجة المشكلة في إطار متكامل او ما يطلق عليه مفهوم (بناء القدرة), واضاف سموه ان التركيز اليوم قد تحول الى جانب الطلب على المياه بدلا من المعروض عن طريق البحث عن مصادر جديدة وذلك من خلال سياسات تقوم على تطوير المؤسسات العامة في مجال الإدارة المائية للوصول الى درجة من الكفاءة يمكنها من استغلال الموارد المائية الى أقصى حد وكذلك الاهتمام بجانب التعليم والتوعية بقضايا المياه بهدف التأثير على سلوك المستهلك. وأكد سموه ان المنهج الجديد الذي يتبنى مفهوم (بناء القدرة) لا يتعامل مع المياه بوصفها من الحاجات الأساسية فحسب وانما باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المنظومة البيئية وموردا طبيعيا وسلعة اقتصادية واجتماعية في آن واحد وان هذا المفهوم التكاملي يناسب الى حد بعيد المجتمعات التي تعاني أزمة نقص الموارد المائية. كما ان ذلك ينطبق بشكل خاص على المنطقة العربية التي تعتبر من أكثر المناطق جفافا في العالم والأكثر ترشيحا لاندلاع الصراعات. ودعا الأمير طلال دول العالم النامي الى اعادة النظر في هياكلها المؤسسية العاملة في مجال الإدارة المائية وتشجيع التعاون بين الهيئات المختلفة في هذا المجال والى إنشاء المجالس العليا للمياه في هذه الدول تكون بمثابة بنك معلومات وطني يجمع كل التقديرات حول الموارد المائية في الدولة ويعنى بصنع السياسات والاستراتيجيات المختلفة في هذا المجال, كما ناشد سموه الجامعات ومراكز الأبحاث ان تؤدي دورها في بناء القدرة الوطنية لدى المؤسسات العاملة في حقل الإدارة المائية باعتبارها دورا محوريا في إثارة الوعي بقضايا المياه لدى الجمهور وصناع القرار على السواء. وأعلن سموه عن تأسيس صندوق خاص لدعم مشروعات اليونسكو في مجال المياه والمساهمة بمبلغ مليون دولار أمريكي. كما دعا سموه الحكومات والمنظمات والأفراد لتقديم الدعم المادي لتعزيز هذا الصندوق. وفي جامعة سيدة الويزة في بيروت حيث عقد مؤتمر الطاقة المائية والبيئة في نهاية الأسبوع الماضي ألقى الأمير طلال بن عبدالعزيز كلمة كشف فيها النقاب عن خطورة مشكلة مياه الشرب في المنطقة العربية. وأوضح أن نصيب الفرد العربي من المياه العذبة يعتبر من أقل التقديرات حيث يبلغ حاليا حوالي 1300 متر مكعب سنويا في حين يبلغ المتوسط العام 7700 متر مكعب سنويا. وأوضح سموه ان العجز المائي العربي يبلغ حوالي 30 مليارا عام 2000 ويتوقع ان يصل الى نحو 282 مليار متر مكعب عام 2035 في ظل معدلات النمو السكاني المتسارعة وان المشكلة تظهر بشكل واضح في دول الخليج واليمن والأردن حيث تصل معدلات النمو السكاني في المملكة العربية السعودية الى ما يتراوح بين 3.7% 3.9% وذلك في ظل ندرة الموارد المائية بالمملكة. كما ان أغلب منابع المياه العذبة التي تغذي الأنهار الكبرى بالمنطقة العربية تقع في دول غير عربية وتتحكم فيها 8 دول من دول الجوار الجغرافي في أكثر من 80% من حصص المياه العربية, كما ان التلوث يزيد من تفاقم المشكلة بسبب إلقاء المخلفات الكيماوية والصناعية والزراعية في المياه.