** لا أحبّ مصر.. وهذا حقي، لا احب مصر ولم أرتبط يوماً ما بها، لم يغيّرني العمق العربي بها ولا عاصمتها، الا ان الطريق المؤدي الى مطار القاهرة عصر يوم امس حيث كنت، جعلني افكر فيما هو مختلف بين يناير حيث كنت ايضاً قبل هذه الثورة، وفي هذا الطريق بعد 100 يوم منها. ** الصورة التي رسمتها لمصر هي هي لم تتغيّر، الا انني وجدت شعباً انتزع حكمه بنفسه، وشعباً اختار تقرير مصيره، وشعباً سيختار حكومة وليس العكس لحكومة تختار شعباً، شعباً يريد ان يكون مستقبل اولاده افضل من مستقبله وهذه قمة ثورات الشعوب، لقد وجدت في طريق عودتي للمطار مصر الرشوة اليومية، ومصر الزحام، ومصر البيروقراطية التي نعرفها، ومصر النعرة الوطنية السابقة، تغيّرت الى مصر الإبداع والعلماء والمفكّرين والادباء والسينمائيين القادمين، ** امس من ارضها امرين: الاول: حال بؤس وشقاء لشعب عاش حقبة رؤساء، الثورة، وبعدها الاتفاقية بينها واسرائيل والاخيرة.. ثلاثون عاماً من خريف عمر ازداد الشعب فيه بؤساً ممزوجاً بلقمة العيش الضيقة، اما الثاني: فهو امل جديد وهذا هو الاهم. ** ما يحكم مصر اليوم هو قوة التغيير.. الملايين، الامل الجديد من مصر التاريخ الكبير ومن مصر العروبة الكبيرة التي طالما سمعنا عنها ولم نصدّقها، لقد تغيّرت الرؤية التي يصحو عليها المواطن المصري بدءاً من شمال مصر وجنوبها مروراً بكافة محافظاتها من شرقها وغربها، شعب يريد اعادة الحياة لغسل حي مثل «جاردن سيتي» بالصابون يومياً، وشعب يريد ان تخرج عليه صحيفة مثل «الاهرام» كل يوم وغيرها بدون مسمى الصحافة القومية. ** مصر الرشوة اليومية، ومصر الزحام، ومصر البيروقراطية التي نعرفها، ومصر النعرة العروبية السابقة، تغيّرت الى مصر الابداع والعلماء والمفكّرين والادباء والسينمائيين القادمين، تغيّرت او في طريقها الى هذا التحوّل نحو افق ارحب بدلاً من نظام يرحّب بزيادة الراقصات في مجتمعه. ** في مصر حيث كنت اطل من بلكونة الفندق مع صديق مقاول، رسم لي اولويات المرحلة في مصر، رافعات شوكية حيث اهتمامه بالانشاء، والثاني الغذاء ومن بعده الاسكان والعمل، هكذا قالها الصديق وتوكل، اذاً ها هي الأولويات، وهذا ما ينقص مصر الآن بعد اعوام الموت البطيء واعداد العاطلين والمهاجرين بها والجوعى. ** ما ينقص مصر ايضاً وبعد 100 يوم من الثورة، هو اعادة الثقة بنفسها حيث ملايين القوى العاملة، وملايين الأفدنة الزراعية، نحرض نعم، لكننا نسترجع ونستحضر مصر السابقة، مصر العلم والحضارة، لا مصر الكسل والمقاهي، مصر التي نعرفها وتعرفنا جيداً. ** لا احب مصر، لكنني حتماً سأعود الى مصر الجديدة، مصر قوة القانون والتحضّر، مصر التي نريدها ونشتهيها دوماً، مصر التي درَّست نصف ابناء الوطن العربي، ومصر التي نبتغيها وتبتغينا، انها حكاية بعد 100 يوم من الثورة حيث كنت. [email protected]