هناك اسطورة شعبية صغيرة، تروى على شكل طرفة، تقول هذه الاسطورة الصغيرة: ان نحويا ركب في سفينة اشبه بسفن السندباد القديمة، وحين شرعت السفينة في شق الامواج، اراد هذا النحوي ان يظهر لربان السفينة مهارته في علم النحو ومعرفته الواسعة بالسيد سيبويه وامثاله، فقال للربان، بعد استعراض عضلاته الحفظية: هل تعرف النحو؟ وحين قال له الربان (لا) قال له: ذهب نصف عمرك. سكت الربان، وكانت السفينة تجري رخاء، وما هي الا لحظة، واذا بالبحر يغضب والرياح تجن والاشرعة تتمزق.. هنا التفت الربان الى النحوي قائلا: يا مولانا هل تعرف السباحة؟ فقال له: (لا) قال له الربان: لقد ضاع عمرك كله. الانسان الاول مثل هذا النحوي، لم يكن يعرف السباحة ولم يكن هناك الاخفش ليتعلمها منه، هناك الخطأ فقط الذي علم السباحة بالتجربة المتدرجة. والخطأ لم يكن مختصا بعلم من العلوم، او حقل واحد من حقول المعرفة الانسانية، بل قاد الانسان الى كل علم، وسار به في كل حقل، وعلمه صياغة المفاتيح لكل الابواب التي تشرق منها المعرفة.. معرفة حقائق الاشياء عمليا، لاظنا ولا رجما بالغيب.. وتعني كلمة (عمليا) هنا التجربة. من لا يعمل هو وحده الذي لا يخطئ . هذه الحقيقة الكبرى الذي علمها لنا التاريخ ورفع صوته بها عصرنا هذا، الذي يعتبر التجربة هي المقياس الاول والاخير. الازدهار الفكري اليوناني المذهل. لماذا اصابه الذبول؟ يجيب معظم او كل من درس تاريخ ذلك الفكر: ان سبب ذبوله هو ابتعاده عن (التجربة) الحية واعتماده على (المجردات) السابحة في الفضاء، وتنكره المزري، بل حربه لمدرسة السفسطائيين الذين جعلوا من الانسان مقياسا للخطأ والصواب.