يشكل الاهتمام بدعم وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في المملكة واحداً من أبرز الجوانب في السياسات الاقتصادية السعودية خلال الأعوام الأخيرة الماضية.ويمثل الموقف من مشاركة المقيمين بالمملكة من مختلف الجنسيات في الاستثمار واحداً من أهم المحاور في هذا المجال، وعلى الرغم من أهمية هذا " الملف" إلا أنه لم يكن واضحاً لفترة طويلة، حتى بدأ المجلس الاقتصادي الأعلى في إصدار عدد من الأنظمة وفي مقدمتها نظام الاستثمار الأجنبي، الأمر الذي بدأ يجذب الانتباه إلى هذا " المل" ويزيد من التوجه نحو فتح صفحاته ودراسته. وعلى الرغم من طرح عنوان الملف في دائرة الاهتمام العام، إلا أنه ظل مرتبطاً بالعنوان الأوسع والأكبر وهو الاستثمار الأجنبي، أما المقيمون الذين يعملون في مختلف مناطق المملكة، والذين يبلغ عددهم حوالي ستة ملايين، فقد ظل الحديث عن مجالات مشاركتهم في استثمارات داخل البلاد محدوداً ومحصوراً في العقارات، دون إعمال حقيقي للاجتهاد حول فتح قطاعات أوسع وأكبر ومجالات أكثر للاستثمارات المباشرة في الاقتصاد السعودي، بحيث يسهم المقيمون العاملون في القطاعين الحكومي والأهلي، في تنمية الاقتصاد الوطني. في هذا الإطار نستطيع أن ننظر إلى الكتاب الذي صدر مؤخراً للباحث الاقتصادي خالد عبد الله الفريان أخصائي الاستثمار في أمانة سر مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار، تحت عنوان " الأجانب في السعودية" مفاهيم اجتماعية واستثمارية" الذي يشير إلى حقيقة مهمة قام بالتنبيه إليها العديد من الباحثين والاقتصاديين في أكثر من وسيلة إعلامية، وهي ضرورة استقطاب جزء من مدخرات الأجانب للمشاركة بشكل مباشر في الاستثمار داخل المملكة، في إشارة واضحة إلى أن غياب السياسات الفاعلة والتنظيمات المناسبة في هذا المجال، يؤثر سلباً على الاقتصاد السعودي. ولاشك أن الأرقام هنا تكون أكثر صدقاً وتعبيراً عن واقع الحال، إذ تبلغ تحويلات الوافدين المقيمين بالسعودية إلى خارج البلاد، حوالي (78) مليار ريال سنوياً، وهو رقم لاشك كبير، ويمثل تجاهل العمل من أجل استثمار جزء من هذه التحويلات داخل المملكة، إهداراً لجهد مطلوب وفرصة حقيقية لضخ مزيد من الاستثمارات في قطاعات الاقتصاد الوطني المختلفة، بما يؤدي إلى المزيد من رفع معدلات النمو وتطوير الأداء الاقتصادي وتسريع عجلة التنيمة الشاملة. هنا تأتي أهمية الحديث عن كتاب خالد الفريان الذي يشير إلى غياب قنوات محلية يمكن لها أن تستقطب جزءاً من مدخرات العاملين الأجانب. ويلفت الفريان- الذي عمل لدى عدد من مؤسسات الاستثمار الحكومية- الانتباه إلى أن إجمالي دخول المقيمين في المملكة يبلغ حوالي (132) مليار ريال سنوياً، مشيراً إلى أن هذا الرقم لا يشمل دخول المستثمرين الذين يتمتعون بحماية التستر! ويسلط الضوء على قضية بالغة الأهمية، وهي ضرورة منح المقيمين أكبر قدر من المساواة مع المواطنين في المجالات الاستثمارية المختلفة. ويؤكد الكتاب على أن وضع إجراءات تحقق هذا الهدف يمكن أن تساعد على تقوية الشعور بالانتماء للمجتمع، من قبل المقيمين من جهة والاستفادة من ضخ جزء من دخولهم داخل الاقتصاد الوطني من جهة أخرى عبر القنوات الادخارية والاستثمارية المحلية، ولاسيما للمقيمين الذين تزيد رواتبهم على ثلاثة آلاف ريال شهرياً. ويربط الفريان بين عدم السماح للمقيمين في السعودية بممارسة الأنشطة الاستثمارية بشكل مباشر، وبين قيام عدد كبير من المنشآت التي تعمل تحت مظلة التستر والتي بلغ عددها حوالي (155) ألف منشأة، مشيراً إلى أن هذه المنشآت أدت إلى سلبيات عدة أمنية واقتصادية واجتماعية، ومنها حوادث الغش التجاري. القضية حيوية ومهمة وتستحق إدارة حوار مفتوح حولها بين أكبر عدد من المختصين والخبراء الاقتصاديين في المملكة، حيث توجد مجموعة من القيود والشروط أمام استثمار المقيمين لجزء من مدخراتهم داخل البلاد، وهي قيود وشروط تختلف كثيراً عن المنع. انني اقترح مناقشة سبل تفعيل هذا الاستثمار وتوسيع مجالاته بحيث تشمل المشاركة المباشرة في تملك المشاريع. إن هذا سوف يتيح ضخ قدر كبير من الأموال في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ويسمح بتوسيع قاعدة الوظائف وتوفير المزيد من فرص العمل خصوصاً للشباب، وهي من أهم أهدافنا الاستراتيجية. @@ رشيد راشد الرشيد