لكل جيل نُكته وطرائفه، ومادته المُستهدفة بالنقد، والإضحاك، والسخرية، ورغم أن النكتة في الغالب وليدة مواقف افتراضية ليس بالضرورة أن تكون قد وقعت، إلا أنها لابد أن تخفي وراءها مضمرات الثقافة التي صنعتها، وفق تصوراتها عمن قيلت فيهم، وفي هذا الصدد لن تجد في سجالات المُتندرين لدينا نكتة تصف يابانيا بالكسل والبطالة، وثقافتنا تبرز الياباني كأنموذج للجد والمثابرة، وفي السياق ذاته لا يمكن أن يجتمع الكم الهائل من النكت التهكمية بالصعايدة في الشارع المصري وثقافة المصريين لا تحمل لهم ذات النظرة التي تجسدها نكاتهم، وعلى ذلك قس، والمحصلة أن النكتة في سياقها نتيجة تصور سلبي أو إيجابي لمن قيلت فيهم، كما إن إطلاقها بعد تبلورها في صورتها النهائية لا يخرج عن كونه نتيجة لعلم صحيح، أو محرف، أو مبالغ فيه، عن الفرد والنسيج الاجتماعي الذي ألصقت به . ألا تكون تلك النكات عن المحششين بكل ما فيها من وهج، وحيوية، وجاذبية، وسيلة تقرب الشباب من الحشيش، وتُطبع علاقتهم به، حتى يتعاطوه ويدمنوه ؟! وعليه فالنكتة تؤثر في مستمعيها سلبا في الغالب، وتُكسب لا وعيهم فهما مغلوطا عن الآخرين، وعن عاداتهم وتقاليدهم، وعن أنماط تفكيرهم وثقافتهم وسلوكهم، خاصة لدى تكريسها لشخصيات مُمثلة على الدوام، تماما كما شخصية المحشش التي كثيرا ما يستعان بها لتكون الشخصية المحورية لنكت شباب البلاك بيري والهواتف الذكية، تلك التي جعلت من المحشش واحدا من أفراد الأسرة، يعيش معها أنسها وأفراحها، بل حتى حين تُصاب الأسرة بالسأم والملل يحضر أو يُستحضر المحشش ليطرد التجهم والعبوس عن الوجوه الحزينة، وليعمل عمله حتى يُعيد الابتسامة والسعادة إليها . من خلال استماعي للكثير من النكت المتمحورة حول شخصية المحشش تولد لدي شعور أحسبه كامنا بلا شعور جماهير تلك الأجهزة، وهم في الغالب من المراهقين والشباب، مفاده أن المحشش إنسان لطيف ظريف، يصنع النكتة، ويضفي البهجة والمرح على من حوله، وبالتالي فهو ليس ذلك الضال المنحرف الذي تحاول ثقافتنا أن تنفرنا منه، حتى لا نكونه أبدا، سؤالي: ألا تكون تلك النكات عن المحششين بكل ما فيها من وهج، وحيوية، وجاذبية، وسيلة تقرب الشباب من الحشيش، وتُطبع علاقتهم به، حتى يتعاطوه ويدمنوه ؟!
أرجوا ألا أكون مبالغا، ولكن هذا ما أخشاه بالفعل، ويبقى تبينُ وجه الصواب هنا أكبر من هذه الزاوية، وحسبي أن أنبه إلى وميض شرارته التي أخافتني، وعلى المعنيين دراستها وإطفائها .