أسوأ ما في هذا العالم أن تكتشف يوماً بعد يوم موقفاً اثر موقف أن كل ما حولك مزيف وخادع وربما غير حقيقي.. والأكثر سوءاً أن تفقد ثقتك في كل شيء لأنك من الداخل لا تقوى على أن تتحول عن قناعاتك التي أصبحت تفكيرك وشخصيتك ولغة التواصل بينك وبين العالم.. أذكر منذ سنوات خلت سؤالاً محيراً قذف به رأسي أحد طلابي والذي زاملني في مهنة الصحافة بعد سنوات.. وعلى ما أذكر أنني أجبته بالأسلوب الذي يقولبنا فيه المجتمع بحكم الأدوار وتجارب العمر لنكون قدوة لطلابنا ولصغارنا حتى وان كنا عكس كل ذلك أو حتى لا نعترف به من دواخلنا.. واكتشفت مع الأيام أن بعض الأسئلة لا تبرح رؤوسنا حتى وأن تحايلنا على أنفسنا في كل مرة بالإجابة عليها حين تطرق رؤوسنا مع مواقف في عالمنا الإنساني المثخن بالقلق والركض المرهق لكل شيء داخلك.. لا أدري على أية حال، ان كان ممكناً للواحد منا التحرر من وعيه ومن خبراته وإدراكه للعالم وهو يربي ابناً أو ابنة له في زمننا هذا الذي يتناقض مع كثير من سمات وقناعات الأمس في علاقتنا مع الآخرين ومع فهم العالم والتعاطي معه؟! أغلب الظن أننا في تربيتنا لأبنائنا تتلبسنا عواطفنا أكثر من عقولنا.. وفي داخلنا تنازعنا رغبة أن نرى فيهم كثير من طباعنا وخصالنا حتى ونحن نعرف سلفاً بأن لهم أحلامهم وطموحاتهم ونظرتهم لعالمهم التي من حقهم علينا ألا نسلبهم أياها فقط لأننا آباء وأمهات لهم.. الأكيد أن العالم الذي عرفنا ونخشى منه على فلذات أكبادنا لا يبرر لنا أن نكرس داخلهم صور الواقع الموحشة واللاخلاقية والمزيفة في زمن لا يليق بالإنسان، بزعمنا أننا نقوي جهاز المناعة الداخلية لديهم لاحتمال هذا العالم.. وأيضاً من الصعب جداً عليك أن تستزرع في أبنائك كل القيم والأخلاقيات والمثاليات الإنسانية في زمن الجميع فيه ينافق ويكذب ويحتال ويزور الخ قائمة الأمراض الآدمية القائمة والنائمة.. على أية حال، اترككم مع السؤال الذي اتعبني كثيراً ولا يزال ألا وهو: ما هو سقف المسؤولية الأخلاقية للآباء الذين يربون المثاليات في أبنائهم في زمن لم يعد فيه مكان لأي من ذلك؟! صدقوني لا أعرف إجابة لذلك وأشك في أن أترجم الإجابة لقرار.