لم تلق دعوة القوات الأمريكية في العراق لتسليم العراقيين أسلحتهم استجابة تستحق الاهتمام، إذ لم يسلم إلا أفراد قليلون أسلحتهم على الرغم من مضى عدة أيام على تنفيذ القرار الذي يستمر أسبوعين والذي بدأ تنفيذه مطلع الشهر الجاري والتي ستبدأ بعدها القوات الأمريكية بمداهمة البيوت والمزارع للبحث عنها وانزال العقوبات القاسية بمن سيحتفظ بها. ومع صورة الرفض العراقي في تسليم الأسلحة والتي تنطلق من جوانب شتى أمنية واجتماعية إلا ان عددا كبيرا من العراقيين حاولوا التخلص من بعض الأسلحة وخاصة المتفجرات والقنابل اليدوية والصواريخ الصغيرة ومدافع الهاون برميها في مناطق وساحات عامة، وعثرت دورية امريكية على بعض منها في إحدى المدارس الابتدائية في منطقة الغزالية ببغداد بعد ان رماها هناك أفراد عراقيون لم يكونوا يرغبون بتسليمها الى الأمريكان بأنفسهم خوف المساءلة التي ستتبعها. وبينما يتداول العراقيون أحاديث يومية حول سبل إخفاء الأسلحة وافضل الطرق والأماكن، فان عراقيين يرون ان من أسباب عدم تسليم الأسلحة يعود الى تراكمات اجتماعية يضاف إليها الخوف الدائم بسبب الوضع الأمني المتدهور في العراق. حيث يشعر الناس انهم سيكونون عرضة للسلب والنهب في أي وقت ومن أي أحد لعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم في حال نزع أسلحتهم والتي غالبا ما تكون من البنادق الخفيفة الأمريكية او الروسية او المسدسات بمختلف أنواعها والتي خزنها العراقيون في اوقات سابقة او اشتروها بعد سقوط بغداد ونهب مخازن أسلحة الجيش وحزب البعث. كما يشعر العراقيون وفي إطار طبيعتهم الاجتماعية العشائرية والريفية ان السلاح جزء من شخصياتهم ، وقد نمت الشخصية العراقية منذ سنوات على اعتقاد ان اقتناء السلاح يرتبط بالشرف الشخصي والهيبة الاجتماعية وتتفاخر العشائر بكثرة ما لديها من رجال وسلاح، وقد اصبح وجود السلاح منذ الحرب العراقية - الإيرانية لدى العراقيين شيئا ضروريا في كل منزل ربما لا يقل أهمية عن التلفزيون ومكيف الهواء والثلاجة إذا لم يكن في بعض الأحيان اهم منها في ظروف صعبة كالتي يمر بها العراق من فوضى أمنية غير مستقرة وعمليا تسلب ونهب لا تتوقف، وخاصة بعد ان كان صدام يهدي أسلحة الى بعض العشائر العراقية على الحدود مع إيران لمواجهة المتسللين. ويضاف الى كل تلك الأسباب التي تدفع العراقيين في الحرص على اقتناء الأسلحة وعدم تسليمها سبب اكثر أهمية وهو ان عملية المتاجرة بالأسلحة أصبحت في العراق ومنذ اكثر من شهرين من اكبر العمليات التجارية ربحا فقد سرقت مئات آلاف قطع السلاح من معسكرات الجيش وبيعت بأبخس الأثمان ثم تحولت الى سلعة نادرة زاد ثمنها مع سوء الوضع الأمني وصرف البعض موارد مالية كبيرة لاقتناء تلك الأسلحة لحماية نفسه وليس من المعقول ان يتخلى عن السلاح الذي اشتراه بتلك الأثمان بطريقة بسيطة كانت قد كلفته الكثير مما اضطر بعضهم الى اقتطاعه من لقمة عيشه لشراء السلاح. وفي وسط الأجواء المشحونة بالخوف والفوضى التي تدفع العراقيين لعدم تسليم أسلحتهم أطلقت صحيفة (التجمع) التي تصدر عن التجمع الشعبي العراقي وقبل يوم من قرار تسليم الأسلحة عنوانا كبيرا في صفحتها الأولى يقول (يا عراقي ارفع رأسك.. لا تسلم سلاحك) وقالت الصحيفة فيما يعد تحديا خطيرا للقرارات الأمريكية ان أي قرار يتخذ من قبل بول بريمر الأمريكي فما يخص العراق والعراقيين يعتبر غير قانوني) وحسب القانون الدولي ولا يجوز قبوله وتطبيقه، ولقد لاحظنا ان بول بريمر بدأ يتخذ قرارات منفعلة ومتشنجة ومستعجلة جدا وغير مدروسة تذكرنا بالدكتاتور صدام حسين وقراراته سيئة الصيت وكأننا لم نكتف بدكتاتور انتهى عهده ليأتي الينا بول بريمر كدكتاتور على شروط غير قانونية، ومن ضمن هذه القرارات الاستعجالية قرار سحب الأسلحة من المواطنين العراقيين، فإننا نقول انه عند استتباب الأمن وعندما لا تكون لهذه الأسلحة ضرورة بين أيدي المواطنين للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم وشرفهم وأملاكهم ورزقهم وأرضهم عندها يمكن للعراقيين تسليم أسلحتهم، اما الآن فلا يجوز ذلك شرعا ولا عرفا ولا عشائريا ومن حقنا ان نقول لكل عراقي ارفع رأسك ولا تسلم سلاحك). اغلب المراقبين يرون ان الحملة الأمريكية ورغم الدعاية الإعلامية التي رافقتها سوف لا تسفر عن جمع 10% من موجودات السلاح عند العراقيين، في الوقت الذي لم تحسم فيه الإدارة الأمريكية المدنية في العراق وضع الجيش العراقي الذي ما زال يطالب بالعودة واعادة حقوقه إليه والتي عبر عنها بمظاهرات كبيرة شهدتها بغداد هذا الأسبوع ، حيث يمتلك العسكريون العراقيون اغلب أنواع الأسلحة وخاصة الخفيفة وهم يتقنون عمليات إخفائها بخبرتهم المتراكمة من تاريخهم العسكري. فإخفاء الأسلحة مهنة أتقنها العراقيون جيدا منذ حملات صدام على جمع الأسلحة من المدن والقرى التي لم تكلل بالنجاح بعد حرب 1991 ، ويتحدث العراقيون فيما بينهم عن طرق جديدة تمنع الأمريكان وأجهزتهم الحديثة عالية التقنية من اكتشاف الأسلحة.اسلحة رفض العراقيون تسليمها مباشرة وتركوها في العراء.