لاشك في ان التميز حق مشروع.. وهو لايحدث بشكل عشوائي بل نتيجة لخطط وجهد وقناعة تامة، كما انها تحولت تدريجيا الى فلسفة تطبيقية يتبناها الكثير من الشركات والمؤسسات الحكومية في الدول الغربية وتعتبر اليابان من الدول الاولى التي تبنت هذا الفكر وتلك الفلسفات في العمل. ومنذ ان نشر المفكر الامريكي (ادوارد ديمنج) في مطلع هذا القرن افكاره المتعلقة بنشر ثقافة التميز وهو الذي يعتبر المؤسس لهذه المدرسة الفكرية التي يعزو الامريكيون التقدم التقني الهائل لليابانيين بسبب تبنيهم افكار ديمنج الامريكي ثم وضعهم جائزة للتميز في اليابان باسمه للمؤسسات للتنافس في مجالات الجودة وتطبيقاتها وبمعنى اخر نلاحظ ان الامريكيين هنا يلمحون ان ذلك التقدم الياباني الهائل كان بلمسة امريكية بسبب المنهج والفلسفة التي قامت على اساس دورة التحسين المستمر للجودة من اربعة عناصر هامة هي: التخطيط ثم التنفيذ ثم المراجعة واخيرا التصرف للتعديل كي ترقى الجودة في محاولة للوصول الى الكمال.. واهم مافي هذه النظرية ان تطبيق الجودة هو رحلة بلا نهاية.. بعدها انبثقت نظريات وعلوم اخرى كالهندسة القيمية والجودة الشاملة واعادة الهيكلة وغيرها، الا ان من الهام جدا التأكيد على انه بالامكان تطبيق الجودة في ظل الموارد المتاحة ولايشترط لتطبيق نظريات الجودة والتميز ميزانيات ضخمة وانما الوصول الى ذلك فقط بتغير اسلوب العمل والرغبة الجادة في ارضاء العميل. نحن هنا لانتفق مع الامريكيين حين ينسبون لانفسهم الفضل في تقدم اليابانيين بسبب نظرية ديمنج في الجودة ولسنا بصدد تفنيد تلك المزاعم ذلك ان المقام والمقال لايسمحان بذلك الا ان نقرر هنا ان التميز بقدر ماهو فلسفة تنتهجها الشركات والمؤسسات بل والامم الا انها كذلك ثقافة تنتهجها الشعوب وغدت تخصصات وعلوم تدرس في الجامعات. امتعنا كثيرا الدكتور عبدالرحمن المديرس المتخصص في علوم الجودة والتميز بمحاضرته عن (تطبيق مفاهيم الجودة في القطاع الحكومي) التي عقدت يوم الاربعاء الماضي ضمن فعاليات حفل جائزة الامير محمد بن فهد للاداء الحكومي المتميز والتي ذكر فيها انه اثناء حضوره لمؤتمر عن الجودة في بيروت مؤخرا ان محاضرا من اليابان التي تعتبر اكثر الدول تطبيقا لمفهوم وفلسفة الجودة انهم في اليابان قد تعدوا مرحلة (ارضاء الزبون) الى مرحلة حاليا يطلقون عليها (اسعاد الزبون) والامريكان مازالوا في مقولتهم الشهيرة (ان الزبون على حق دائما) ولا ادري ما يمكن ان يوصف به الزبون في الدول العربية واترك ذلك لخيال القارئ.. ومن خلال الايمان بهذه الفلسفات البسيطة ينعكس ذلك بشكل مباشر على مفاهيم الجودة في تلك الدول وهذه الاستدلالات هي اقرب ما تكون الى الواقع.. والواقع في العالم العربي على حسب ما قرره المحاضر المديرس ايضا وذلك استنادا الى احصائيات هيئة الاممالمتحدة التي تقوم بتصنيف وقياس معدلات الانتاجية في دول العالم وقد وجدت ان الانتاجية في الدول العربية تصل فقط الى نصف الساعة من اصل 8 ساعات عمل يومي أي 30 دقيقة انتاجية فقط وهي بلاشك سبب وجيه للتخلف والتخبط الذي تعيشه الدول العربية وبعدها عن المنافسة في مجال التقنية اذا ما قورنت بالدول الغربية.. هذا كله من شأنه ان يجعلنا سعيدين جدا بانطلاق افكار بناءة ومحاولات جادة لكسر ذلك الجمود الذي نعيشه للارتقاء بمستوى العمل ليس على مستوى مؤسسات القطاع الخاص التي من المفروض ان تقوم به بحكم طابع الربحية في عملها دائما على مستوى المؤسسات الحكومية خاصة الخدمية التي تئن تحت انظمة بيروقراطية مهترئة عفا عليها الزمن. بصفتي اكاديمي ومن خلال مشاركتي المتواضعة في فريق العمل الميداني الذي اشرف على مراجعة النماذج وتصنيفها وتصحيحها ومراجعتها وقد كان العمل بلاشك ممتعا جدا اتسم بحرص الجميع على الحيادية والموضوعية بقدر الامكان واعقبت ذلك الزيارات الميدانية التي كان لها دور هام في الاطلاع على واقع تلك الادارات ومقدار مجانبتها للصواب. وقد لمسنا من معظم المسؤولين في مختلف الادارات الحكومية سعيهم الحثيث كل على حسب امكانات ادارته واجتهاده للوصول الى مستوى الجودة المطلوبة وذلك كله يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح. رحلة الجودة التي بدأت هذا العام ستكون لها آثار ايجابية كثيرة سيتعكس بلاشك علىا داء مستوى الادارات الحكومية جميعها في المنطقة الشرقية، وقد تأخذ العملية 4 5 دورات او سنوات حتى نبدأ نحن المواطنين الاحساس بالفرق او التحسن لمستوى اداء هذه الاجهزة، ذلك انه ما ان تدخل فكرة التنافس وتدمج بروح العمل الجماعي فان من المؤكد ان ترى تحسنا ملحوظا وكبيرا في الانتاجية. اسعدنا ايضا الدكتور عيسى الانصاري في محاضرته عن (اهداف وآليات الجائزة) عندما اكد ان مفهوم الجائزة لن يكون مقتصرا على التنافس فقط بل سيتعداه الى السعي الحثيث الى نشر ثقافة الجودة والتميز من خلال المحاضرات والندوات وورش العمل التي ستقام من خلال معهد الادارة العامة وكذلك بعض الجهات التدريبية في القطاع الخاص لمختلف الادارات الحكومية كي يتم تطبيق مفهوم الجودة على اسسه العلمية الصحيحة. ان ترى تحسنا ملحوظا وكبيرا في الانتاجية اسعدنا ايضا الدكتور عيسى الانصاري في محاضرته عن اهداف وآليات الجائزة عندما اكد ان مفهوم الجائزة لن يكون مقتصرا على التنافس فقط بل سيتعداه الى السعي الحثيث الى نشر ثقافة الجودة والتميز من خلال المحاضرات والندوات وورش العمل التي ستقام من خلال معهدالادارة العامة وكذلك بعض الجهات التدريبية في القداع الخاص لمختلف الادارات الحكومية كي يتم تطبيق مفهوم الجودة على اسسه العلمية الصحيحة. نحن لانزال نضع خطواتنا الاولى وبحمدالله سنبدأ في المرحلة الاولى التي ستكون نشر ثقافة الجودة وهي بلاشك الخطوة الاولى في الطريق الصحيح الذي لن يكون سهلا وسيأخذ وقتا وجهدا وقناعات يجب تغييرها حتى ننتقل من مرحلة العميل على خطأ الى مرحلة العميل على صواب ثم مرحلة رضا العميل وتدريجيا الى مرحلة سعادة العميل. اسجل شهادة شكري هنا لهذه المصابيح المضيئة في هذا الطريق المظلم واشكر جميع من تبنى هذه الفكرة والفلسفة الرائعة ويحاول العمل على تطبيقها وجعلها داقعا نعيشة وعلى رأسهم سمو امير المنطقة الشرقية محمد بن فهد رعاه الله ذلك لان مثل هذه الافكار البناءة من شأنها دون ادنى شك الارتقاء بالعمل الحكومي كي يرتقي لمستوى طموح المواطن، كيف لاوسيد البشرية عليه الصلاة والسلام اعطانا المثال الاول في سنته الطاهرة منذ ما يقارب 1400 سنة عن الجودة حين قال (ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه) وربط اتقان العمل وجودته بالدين والله اسأل ان يسدد الخطا ويكتب النجاح للجميع. عضو فريق العمل الميداني بلجنة الجائزة عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن