لقد مررنا بحالة من الذهول ونحن نرى آثار حضارة العراق تنهب، بدون اي حماية لها من قبل اهلها او من يدعون حماتيها، وعندما تذكرت الآثار الفلسطينية واستهدافها من قبل الاحتلال. حماية التراث الحضاري تدخل في استراتيجيات الامن القومي للشعوب، فهي تعطي لها بعدا عميقا في التاريخ، وتنير طريقها نحو الرقي والتقدم، لذلك فان المحافظة عليها كانت لها اولوية في كثير من العالم. وفلسطين بشكل خاص غناها بالآثار والمواقع الاثرية دلالة لتوثيق حضارة امتدت عبر التاريخ بناها العرب القدماء، وفي محاولة لتغيير تلك الثوابت التاريخية دأبت اسرائيل على محاولة الغاء التاريخ وايجاد شرخ بين المكان والزمان والفعل الحضاري والغاء حق الانسان في ارضه وتراثه وثقافته وتدمير آثاره. المخطط غير المعلن من قبل سلطات الاحتلال لنهب وتدمير التراث الحضاري في فلسطين، وضع بشكل دقيق بالتوازي مع الاعتداءات اليومية التي تمارس ببشاعة ضد المدنيين الفلسطينيين وفي المقابل، تمت مواجهة هذه الاجراءات بشكل متواصل، داخليا وخارجيا، غير ان الجهود المبذولة لم تمنع سلطات الاحتلال من الاستمرار في طريقها. ويتبع الاحتلال اساليب مختلفة في سبيل تنفيذ مخططاته حيث ان هناك مدارس اثار توراتية، تحاول تثبيت القصص الواردة في (التوراة) وتطبيقها على الارض وهذا يؤدي الى تجاهل حقبات تاريخية وتسليط الضوء على حقبات اخرى، من اجل تفسير التاريخ على اساس ماورد في (التوراة) وتأكيد ذلك. ان سلطات الاحتلال عندما تنقب في اراضي (المستوطنات) المقامة على اراض محتلة، لاتستأذن احدا وليس بالامكان ملاحظتها، والوضع السياسي الحالي لايسمح لكوادر الاثار الفلسطينيين بالاطلاع على نتائج التنقيب او دراسة ماتم الوصول اليه بما يتسنى من خلاله تفنيد وتمحيص مايتعاملون به. كما ان اهمال الاحتلال المعتمر للكثير من المواقع الاثرية التي تشير الى الحضارة العربية والاسلامية اسهم في ضياع العديد منها حيث تمنع سلطات الاحتلال ترميم مواقع اثرية هامة تشمل مبان ومساجد تاريخية تركتها عرضة للانهيار والدمار كما في مدينتي حيفا ويافا الساحليتين. من الواضح ان هناك هجوما اسرائيليا منهجيا يستهدف الارض والتاريخ بالتوازي مع حرب على الانسان الفلسطيني فالحرب الشاملة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني تريد اقتلاعه من جذوره بناء على مقولة الصهاينة ارض بلا شعب لشعب بلاارض وهذا بالفعل يتطلب جهدا مضنيا من اجل صد هذه الهجمة وهو مايستلزم تكاتفا رسميا وشعبيا على كافة الاصعدة بما يضمن احقية الشعب الفلسطيني في ارضه وتاريخه الممتد عبر العصور بالرغم من كل محاولات الاحتلال.