ثمة مفاسد وفساد على أرض الواقع . لها مراجعها، متعددة الأنواع والألوان، ولها مداخلها وتصنيفها ومخارجها وحلولها . والفساد في مفاهيم اللغة هو (فسد) ضد صلح . والفساد عربياً هو اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً دون وجه حق . وفي أحد مفاصل تعريف الفساد، يصبح علاقة وسلوكا اجتماعيا يسعى رموزه إلى انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي فيما يمثل عند المجتمع المصلحة العامة . لهذا يصف المختصون في قضايا الفساد وأنواعه، على أساس أنها (واسع وضيق) طبعا لا يتسع المجال للاسترسال بذكرها، لعدم ضرورتها . وما يهمنا هنا هو، فساد الروح ومسبباته ومؤشراته . والفساد الأخلاقي عندما يكون بحدود ما يتعلق بالنواحي السلبية في الحياة، وعندما يرتبط بالإنسان . يعني ذلك انعدام الضمير وضعف الوازع عند الشخص، بما يجعل من نفسه بيئة صالحة لنمو الفساد . في العصر الراهن، تشكل وتيرة الاستهلاك العالية. وخصوصاً في المجتمعات ذات الاقتصاد المرتفع، وسيلة ضغط على الطبقات والفئات المتوسطة والفقيرة في المجتمع، لما في أسواقها من قيم مادية واستهلاكية مغرية، انهالت عليها من عالم الرفاهية والموضة. ولأن القدرة الشرائية عند هذه الشرائح دون الحدود التي تمكنها من اقتناء مثل هذه السلع. لذا تبقى مغرية ومحفزة، مما يدفع البعض لتدبير أموره المالية بطرق مختلفة (ولو ملتوية) بقصد الاستحواذ على هذه الوسائل الاستهلاكية ولدرء فساد الروح هناك متطلبات . تبدأ بلزوم تصويب الأمور بما يحقق سلامة ونقاوة المواقف في كل المجالات التي قد تؤدي إلى هذا الانزلاق. ومن تجليات فساد الروح أو الفساد الأخلاقي كما يفسره المهندس سعد الله صبري وفق المقطع الذي يشير فيه إلى الخطوات التي تفضي إلى : «توجيه المجتمع باتجاه الفساد والانحلال الأخلاقي .. إلى آخره .. هناك وسائل تُقرب من هذا المنحدر، لأنها تُزيف الواقع وتزوره وتزين ما يقرب من مناحي الفساد، وتثير غرائز إنسانية ميتة، وتدفع بمواقف التفاضل والتمايز والإثارة إلى مستويات متقدمة في وعي الناس . فخذوا على سبيل المثال : الإعلام بكل وسائله، وما يقوم به من تعميم لنماذج من حالات الترويج لنمط ومستوى من حالات الترويج لنمط ومستوى من الحياة، عكس واقع حياة الأغلبية. إنه ينقل الناس إلى مفاصل الحياة ودقائقها في المجتمعات المخملية، ليغوص فقرأ المجتمعات بعذاباتهم وآلامهم، وليثيروا في نفوسهم أجناسا من الأذى، لما يحسونه من فروقات واسعة بين ما يشاهدون ويسمعون وبين واقعهم الحقيقي المُوعز . الكل شاهد مؤخراً حدث القرن (كما سموه) زواج العصر ... العرس الملياري (نسبة للمشاهدين) حين زفت (الليدي كيت) أميرة آل(نيو ميديا) للأمير (وليام) هذه العروس بما لديها من مواهب شخصية آسرة، وما أضافت عليها وسائل الإثارة والتزيين من (تزويق وبهرجة) جعلها مركز حديث وسائل النشر . وعلى مستوى تقييمها الطبقي، وإعادة ترتيبها، فقد قفزت من الطبقة الوسطى إلى الطبقة المخملية العليا بفضل دفء قلبها العاشق. حتماً تكاليف هذا الزواج كانت باهظة. لكن من أين أتت؟ . إنها جزء مستقطع من أموال دافع الضرائب تم تحصيلها بهذا الشكل أو ذاك . وجمعت من جراء نهج الإفقار المطلق الذي كان مطبقاً بحق شعوب العالم المستعمرة إبان الامبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها الشمس . يحدث هذا الاحتفال (العرمرمي) من حيث الشكل والمستوى، بينما شعوب الجنوب تئن من ويلات الفقر والمجاعة والبؤس، الذي ساهم الغرب (الرأسمالي) بجزء كبير من هذا الشقاء. والمؤلم أن هذه الأموال تهدر لدواعي الدعاية والاعلان والترف، دون أن تعاد للأمم المقهورة سابقاً قبل نيلها استقلالها السياسي ما تم انتزاعه من خيراتها الوطنية بالقوة واساليب القهر. وقبل أن يعاد لهذه الأمم شيء من حقوقها ولو معنوياً من قبل امم استعمارية حكمت بواسطة الهيمنة . في العصر الراهن، تشكل وتيرة الاستهلاك العالية . وخصوصاً في المجتمعات ذات الاقتصاد المرتفع، وسيلة ضغط على الطبقات والفئات المتوسطة والفقيرة في المجتمع، لما في أسواقها من قيم مادية واستهلاكية مغرية، انهالت عليها من عالم الرفاهية والموضة . ولأن القدرة الشرائية عند هذه الشرائح دون الحدود التي تمكنها من اقتناء مثل هذه السلع . لذا تبقى مغرية ومحفزة، مما يدفع البعض لتدبير أموره المالية بطرق مختلفة (ولو ملتوية) بقصد الاستحواذ على هذه الوسائل الاستهلاكية. وهذا نموذج من الافساد يضيف على هذه المجموعات عبئاً مالياً جديداً قد تؤدي به إلى مواقع غير سليمة . مع الاختلاف من ناحية المكانة الاجتماعية، ونوع الحدث والضخامة الاستعراضية. حدث توافق زمني بين عرس العصر، وافتتاح المعرض الثاني الدولي للمجوهرات بجدة (وهو أمر عادي وطبيعي) إنما ما كان لافتاً للنظر، أنه يتم لأول مرة ، عرض أغلى حقيبة في العالم (لها مواصفات فنية معينة) بقيمة بلغت 14 مليون ريال . حتماً ستجد من يشتريها . وصحيح أنه كما يقال: «من لديه دهن فليتمسح فيه» وإنما بحدود وتعقل، لكي لا ينضب هذا الدهن . قد يقول قائل: «من يدري عنك ياللي بالظلام تغمز .. لقد تغيرت الدنيا وأنت مكانك راوح» والجواب الصائب: أن عناصر الدنيا الأساسية لم تتغير . فسلوك ومناسبات الطبقات المخملية الفارهة تتكرر بصيغ وأساليب معاصرة . بنفس الوقت فإن (معشر الأنتلجلنسيا) رغم ما أصابهم من هرم لا زالت تحلم بلحظات تاريخية وجميلة وفق معايير ومقاييس مختلفة . ولأن العصر الراهن يتميز بطابعه العام، بالإدانة والشجب والتنديد . أفلا يحق لمن لا يملك سوى قلمه، أن يقول رأيه المتواضع بما يجري، وهو أضعف حالات الإيمان في التعبير .