معالي الوزير.. وفقك الله وسدد على دروب الخير خطاك سأتجاوز تهنئتك.. الى شيء من هموم من تحملت مسؤوليتهم امام الله, ثم امام اولياء الامور الذين ولوك اكثر الوزارات في الدولة علاقة برعيتها وبناء اساس نهضتها. كان من المتوقع ان يطلق على وزارتكم الموقرة (اسم التربية والتعليم), ولا غرابة في ذلك, فنحن من امة تعنى بالتربية قبل التعليم, وبالروح قبل الجسد, وحضارتنا هي الانسان قبل المادة. ان الحاق مصطلح (التربية) بمسمى وزارتكم سوف يحملها عبئا عليها ان تحمله تكليفا بعد ان كانت تحمله من قبل ضمنا, ولاشك في ان من يراقب مناشط الوزارة في الفترة الاخيرة يلحظ التركيز على الدورات التي تقام لكل فئات المربين في المدارس, من مديرين ووكلاء ومعلمين, ولكن.. وما احر لكن هذه! لا يزال ايها الوزير الطموح في مدارس البنين والبنات معلمون ومعلمات يفقدون معنى التربية الحقيقي, ويحملون بين جوانحهم شرر ذكريات الطفولة المقهورة, ونار النفوس المكبوتة في شبابها, حيث يغدو الطالب او الطالبة بين ايديهم وايديهن مجردا من المشاعر والاحاسيس, لا يعبأون بطفولته التي تشتاق للحنان والحب والرعاية, ولا بمراهقته التي تحتاج الى تعامل حساس مرهف, لكسب نفسه المشبوبة, واستثمار طاقاته الهائلة, ولا بمطلع شبابه المتوثب, وتوجيه تطلعاته وهو يعد للجامعة على مقاعد الثانوية. بل انهم ينسون ان له اسرة تحس باحساساته, حين يأتي الى البيت, وقد رسمت العصا الغليظة خطوطا على زنده الطري, او لا تزال اصابع المعلم الموقر تشكل لوحة تجريدية على خده الغض (مع حرمة الضرب في الوجه شرعا), او تتجمر عيونه وهو يحكي موقف القهر من استاذه القدوة, حين صفعه امام زملائه لمجرد استفسار, او وهو يتلفظ عليه بأقذر العبارات, مستحضرا عددا من اسماء الحيوانات (اعزك الله واكرمك والقراء الاعزاء), ثم يتلو ذلك المشهد الدرامي الذي يسحب فيه عصفور الابتدائية, او ابن المتوسطة (الفتى الابي) من بين زملائه, ثم يتبع بضربات يتدرب فيها الاستاذ الموقر على الملاكمة والجودو والكاراتيه, ويمارس التعذيب الجسدي بنتف الشعر او سحب الاذن, او الضرب على الرأس بعقلة الاصبع, ولا يهدأ الا حين يتوج تلك (التربية العظيمة) بتهمة بذيئة لاسرة الطالب حين يمج من فيه جملة لم يحسب لها حسابا (انت ما تربيت)! لقد بكى احد طلبة الابتدائية امامي, وحين سألته عن السبب قال: الاستاذ يطلب منا ان نسكت ولا نتحرك حصتين متتاليتين!! هل هذا معقول؟ واذا تحركنا فلن نعدم (كفا حاميا في مشهد بهلواني يرفعنا فيه الى الهواء الطلق)! نظرية في علم النفس التربوي يقدمها هذا الطالب لاستاذه (المربي)! (صفعة كل اسبوعين ولو لمرة واحدة تكفي للقضاء على ذكاء طفلك او تلميذك بل وقد تنسف قدرته الذهنية), هكذا تقول نتيجة من نتائج الدراسات النفسية الاخيرة, فاذا كان الاب واعيا في تربية اولاده في المنزل, فان هناك من ينسفها في المدرسة.. ومن المسؤول في النهاية عن تخلف الولد في المستقبل؟!! ثم هذه الرسائل العقلية التي يبثها المعلمون, وتكثر لدى المعلمات, دون وعي منهم, من مثل: هذه المادة صعبة جدا, كثير من الطالبات اخفقن فيها, انت غبية ماذا اصنع لك أو انت لا تفهم.. اعلمت؟ ان تكرار هذه الرسائل كما تعلم ترسخ المفهوم المغلوط في نفس الفتى او الفتاة, ليقتنع بها بعد ذلك!! يقول الاستاذ محمد قطب: (ان من السهل تأليف كتاب في التربية, ومن السهل تخيل منهج, ولكن هذا المنهج يظل حبرا على ورق ما لم يتحول الى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الارض وما لم يتحول الى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره وافكاره مبادئ المنهج ومعانيه, وعندئذ فقط يتحول الى حقيقة). دعواتي لك بالتوفيق في رحلتك الجديدة مع وزارة (التربية) والتعليم.