على مدى تاريخه الطويل استطاع الشعر العربي ان يعبر عن آلام وأفراح الأمة التي مرت بها. واستطاع شعراؤه ان يصوروا الأحداث العظيمة التي يعاصرونها.. الآن, وفي ظل ما يحدث للعراق هل ستظهر تجارب شعرية معبرة عن هذا الحدث الجلل؟ وهل ستفرز هذه الأحداث اتجاها شعريا مغايرا للسائد ويكون معبرا عما يشهده اطفال العراق وما لحق بالعراق من دمار؟.. (اليوم) اجرت الاستطلاع التالي: موت الظاهرة الصوتية محمد العباس: بالتأكيد سيتأثر الإبداع العربي عموما من حدث بحجم احتلال العراق. ولكن نتائج هذا الحدث لن تتأتى بصورة تلقائية, انما ستحتاج الى بعض الوقت لتتبدى بشكل أوضح, فالإبداع او الشعر كما تشير في تساؤلك هو مفصل من ملف اشمل عنوانه المشهد الثقافي, او المشروع الثقافي المفترض ان ينبني على انقاض هذا التهدم الفكري النفسي. وضمن هذا الملف تكمن جملة من عناصر القوة يمكن ان تتفعل كمعايشة لما يمكن ان يحدث على أرض الواقع والعكس, وفي هذا الصدد يمكن رصد مجموعة من المؤشرات ضمن جدل المثقفين العراقيين فيما يشبه الحرب الأهلية الثقافية, فمثلا هناك من هلل لسقوط النظام واعتبره من الناحية الشعرية انهيارا للقصيدة العمودية التي كانت رمزا للنظام بكل اساطينها التي كانت تحارب قصيدة النثر بدعوى الحفاظ على العروبة والقومية والأصالة, استنادا الى قوانين تعسفية, حيث لم يكن الشعر في الداخل العراقي سوى قصائد عمودية لتأليه القائد, ولم يكن الشعراء سوى مجموعة من النسخ المقلدة لأبي تمام وغيره. كما يمكن رصد بعض جوانب التغير في ملاحظة القاموس الهجائي الشتائمي الذي اقتحم جنبات القصيدة, ليس بمعناه الرثائي او النكوصي, كما حدث اثر النكسة, انما بنية الانتقام من القامات والأسماء المكرسة, فهنالك جيل شعري غاضب لا يأبه لكل أصنام الشعر التي احتلت المشهد الثقافي لعقود, فقد طالعنا الهجوم الشرس الذي يتعرض له سعدي يوسف مثلا, رغم ميوله الحداثية, المهم ان هذا الجيل النابت في ظل الخراب واليأس عربيا سيشكل معجمه من هذه البؤرة, أي من القاع, وليس من الوهم او الأماني البائتة, بمعنى ان القصيدة ستخرج من تخوم غير آمنة ولا مستقرة ومن غير مظلة من العناوين البراقة, وبالتالي لن تكون الشعرية العربية الأحدث مرتهنة لدعاوى القومية واليسار ولا حتى الأصولية, بقدر ما ستنهل من حس الفردانية الصاعد. وهنا ستواجه الشعرية العربية معضلة الانفكاك من السياسي مرة أخرى, وقد يتحلق الشعراء على حزن يبثه العراقي رثاء من الداخل, والعربي توصيفا للمأساة من الخارج, تماما كما حدث بالنسبة للقضية الفلسطينية التي هيمنت على نبرة الشعر العربي لفترة زمنية طويلة, وكذلك موجة شعراء الجنوب التي انتعشت إبان الاحتلال الصهيوني ومقاومته, او موجة الشعر الحماسي التي واكبت الحركة الأفغانية وحرب البوسنة, ولكن هذا الأمر لن يطول هذه المرة لكون الشعرية العربية احدثت منذ زمن قفزتها نحو النثرية وبالتالي لن يكون هذا الحدث إلا تعزيما لهذا التوجه المتطرف قوليا, على اعتبار ان هذا المنزع الشعري فارط في الفردانية, ولا يحتمل الانشاد الجمعي. اذا ستسقط مهمة الشاعر المنبري الدجال, او ستتهاوى منصته لتموت الظاهرة الصوتية كتهمة قدحية للعربي وشعريته, ولن تبقى إلا همسات الشعراء/ الناس المجروحين في كرامتهم, وبالتأكيد سيكون هذا الحدث فرصة لاستكمال الأمانة لديناصورات الشعر العربي الذين لا يمتلكون من الشعر إلا البيانية واللفظية, بحيث تنفرج الأبواب لأصوات يطابق منطوقها وجودها. وتتماهى ذواتها مع لغتها, بمعنى ان الشعرية العربية لن تجد مفرا من تفعيل التجربة الحسية والانبثاق من الحدث بما هو ورطة حياتية. دافع للصمود احمد صالح (مسافر) احداث العراق ليست جديدة على المنطقة لكنها كشفت هذه المرة عن النهج الأمريكي الذي تنتهجه الولاياتالمتحدة في المنطقة وسوف يكون لذلك أثر ايجابي على المبدع. وتؤكد ذلك الفترة التي سبقت الحرب لأنها كشفت عن مشاعر ايجابية وطنية ورفض للاستسلام ولن يكون التأثير سلبيا لان الأحداث المأساوية التي مرت بفلسطين ولبنان كانت دافعا قويا للصمود وعدم الاستسلام مما يزيد المبدع صمودا ويجعله متحفزا عن ترجمة المشاعر الإنسانية التي يمر بها في صورة قصائد. سؤال الإبداع فوزية ابو خالد هذا سؤال.. المبدعون أنفسهم في ألوان ابداعية مختلفة, الكاتب عبده وازن, مثلا له قراءة عن الكتابات الشعرية حول العراق, والمسرحي جواد الأسدي بصدد انجاز عمل عن العراق. اعتقد ان الشعر انفصل في السنوات الأخيرة عن القضايا الإنسانية ربما بسبب حالة اليأس والاحباط الحادة التي أصابت الشعراء ولا أعلم ان كان هذا الحدث سيعيد الاعتبار الى أبعاد قضايا انسانية تطرح في الشعر خاصة ان الشعر أصبح غير قادر على التعبير عن القضايا الإنسانية, ولا أدري الى أي مدى قد يتأثر الشعر بهذا الحدث في ظل السرعة الرهيبة في تغير مواقفنا واقصد التحول في قبول الأحداث بين الرفض والقبول قبل وبعد التاسع من ابريل يوم سقوط بغداد. عبداللطيف الوحيمد: معروف ان الشعر كائن يتأثر ببيئته وما يموج في هذه البيئة من أحداث وأمور, ولأن الشعر نبض الشاعر ولسان حاله للتعبير عن كل ما يواجهه في حياته العامة والخاصة فطبيعي ان يتأثر بحدث جلل وعظيم شهده العالم وتأثر به. والشعر العربي يتفاعل دائما مع أحداث ومناسبات الأمة وقضاياها. ويحضرني الآن تفاعل الشعر مع استشهاد الطفل محمد الدرة وقد سجلت موسوعة البابطين وحدها ما يربو على1000 قصيدة فضلا عن القصائد العامية التي لم تسجل. لا شك ان جرح الأمة عميق بهذا الاحتلال والشاعر أكثر تأثرا من غيره بقضايا الأمة وهمومها. مسافر عبداللطيف الوحيمد