عندما كنت صغيرا , كنت إذا رأيت مكانا قبيحا او مهملأ أو يجمع الرذيلتين أقول لمن بجواري (وين احنا , اللي يشوفنا يقول في جنوب أفريقيا) ولشد ما أصبت بخيبة أمل في ثقافتي الجغرافية إذ ذاك , إذا علمت فيما علمت بعد تتابع السنين وكر الأيام , أن ما كنت اعيبها في سوئها , كانت من المدنية بمكان لا يمكن إغفاله ! سمعني أحد الأخوة من قاطني حارتنا ومن الأحباب , أتلفظ بمثل ما كان يجري على لساني أيام الصغر عن جنوب أفريقيا , فما كان من أخينا الفاضل الا أن صحح معلوماتي المغلوطة وأفاض في الحديث عن تلك المنطقة التي أتندر عليها في الرواح وفي الأياب !! وكان قد أمضى بها أياما طوالا , فكان مما قال (دخلنا مساجدهم فوجدنا، غاية في الجمال والنظافة , بل ان دورات المياه في تلك المساجد) أعزكم الله , اشد نظافة ..... من عندنا !!!!. تذكرت هذا الكلام , عندما جرتني الظروف قسرا أن ألج أحياء محاسن القديمة ذات اليمين وذات الشمال , وعندما أقول قسرا , فذاك لأنني أجزم أن من يدخل تلك المنطقة لن يعود اليها باختياره ثانية أبدا إلا أن يكون من المعتوهين ! أو من أهلها البائسين الذين أجزم أن لو كان لأحدهم قدرة مادية لانتقل الى منطقة أخرى , راميا التي فارقها سبع حصيات! ولجت تلك المنطقة أول ما ولجت من مدخل فرعي بجانب احدى الصيدليات على الشارع العام (الزهور) ومن بداية الطريق تكشف حتما أنك في مكان مغاير تماما لما تألفه , نعم ليست كل مناطقنا بذاك الجمال النظافة المطلوبة والخدمات الصحيحة , لكن هنا شيء يختلف اختلافا كليا , فلا طريق بهذه المنطقة إلا وتراه يحمل كل التضاريس الجغرافية المعلومة , فارتفاع هنا وانخفاض بالجوار , وحفرة هنا , ونتوء يليها أشبه برؤوس الجبال !!, والأتربة قد كست تلكم الشوراع وقد يخالطها في كثير من الأحيان مياه طافحة كريهة الرائحة , وهي من الكثرة في بعض الطرق بحيث لا يمكن أن تتجاوزها بدون أن يطالك منها أذى ولو كنت قابعا في سيارتك !! إن من التوفيق الذي سيصيبك هنا , أن يكرمك الله فتلاقي طريقا ترابيا لما يزل على هيئته التي خلقه الله عليها , لأن هذا الطريق الترابي سيكون أرحم بسيارتك من طرق البلدية التي تسمى (شوارع) وأنظف لها وأنقى !! أن من لطف الله بي , بعد أن قدر لي الدخول المر لتلك المنطقة ! أن أكرمني بخصلتين , أحداهما في نفسي , وهي أني لا أميز بحاسة شمي العجيبة بين الخبيث والطيب ! فقد كنت فاقدا لتلك الحاسة بالوراثة . والثانية في دابتي !! فقد ألهمني الله أن أتواضع , مكره أخاك لا بطل!! بعد أن كنت على وشك شراء سيارة فارهة , بالتقسيط طبعا , فاكتفي بواحدة صغيرة بسيطة رخيصة الثمن !!! فإن قدر لها الوفاة هنا جراء الطعنات المتتالية من تلك النتوءات , فسيكون وقع المصيبة على قلبي الضعيف لا شك أهون ! يا ساكني تلك المنطقة .. لا أستطيع ان أوصيكم بالصبر , فأنتم وأيم والله أهله ولا ريب , والا فكيف تسنى لكم الاحتمال طوال تلك السنين ! سمعت قبل فترة أن هناك مسئولا ما , أراد القيام بزيارة ميدانية للاطلاع على النهضة التي تعم أرجاء المنطقة بفضل الخدمات البلدية الراقية !! , فكان أن مروا به على طرق أحياء (محاسن أرامكو) الحديثة , وهي بالمناسبة لا يفصلها عن منطقتنا السالفة الذكر , إلا شارع واحد , فهما كما لو كانتا توأمين منفصلين , ولكن قدر لأحدهما أن تتعهده يد الرعاية فأضحى غاية في الروعة والجمال وكمال الخدمات ورقيها , وشاء للآخر ان يهمل فكان ما كان , والله المستعان ! أظن انني قد آن الأوان لاستبدل من قاموس ألفاظي تلك المفردة من العبارة التي كنت أترنم بها ممتعضا من أي قبح , لتصبح بعد التعديل وين إحنا فيه اللي يشوفنا يقول في محاسن القديمة !! " ختاما لا أدري حقيقة من الذي أعطى تلك المنطقة هذا المسمى (محاسن) فإن كان للبلدية دور في ذلك فإليهم أقول إن كانت هذه محاسنكم , فكيف تكون مساويكم؟!!