عزيزي رئيس التحرير أكتب هذه الكلمات وأنا أتميز حنقا وغيظا، لا لأن أحدا تناول شخصي بالإيذاء أو التعدي فهذا أمر تعودت عليه كعربي حتى ما قبل الحادي عشر من سبتمبر ولكن لأنني أصبحت مع بضعة أشخاص من عالمنا العربي الوحيدين الذين يقرأون أو يسمعون ما يكتب في الصحف والمجلات وما يثرثر به سدنة الفضائيات المحترمون. خلنا أنفسنا منعزلين فقررت أن أنوب عن هذه القلة القليلة من هؤلاء وأكتب (ولكن) أعدك بأنني لن أنظر فالساحة لم تعد تتحمل منظرا جديدا فالمهيب الركن لا فض الله فاه منذ أن تولى العرش بذر بذور التنظير إن قصدا أو غفلة فكل الأحداث التي تفجرت قبل وبعد مهزلة العام التسعين ساهمت في إفراز ظاهرة التنظير التي تجعلك تتساءل لا دهشة وانما ذهولا .. أين كان هؤلاء وكيف أصبحوا فجأة نجوما تتسلط علينا حتى في أحلامنا تخترق كلماتهم مخادع نومنا ولحظات خصوصيتنا. تقف مذهولا وتتساءل : هل تحمد ربك لأن هذه نعمة أنعم الله بها علينا أن يكون بيننا كل هذا الفيض من المنظرين لتحقيق العدالة لأول مرة من عالمنا وينعم كل ثلاثة مواطنين بمنظر ؟ أم تضرب رأسك في الحائط من الحيرة لأنك لا تستطيع ولن تستطيع أن تقف على قول واحد من أقوال هؤلاء لتقول : هنا الحقيقة أو هذا ما نريد فعلا .. أو هكذا الصدق أو حتى تنام آمنا لأنك وجدت من تطابق أفكاره أفكارك .. أو حتى تختلف معه بود دون أن يخرج يده من الجريدة أو من جهاز التلفاز ليصفعك على وجهك بالإضافة إلى صفعة الكلام التي وقعت رغما عنك.. أين كان هؤلاء ؟ وكيف برزوا فجأة كنجوم محلقة تخطف قلوب الصبايا بطلتهم البهية وعقولهم المزركشة بكل الألوان الشرقية والغربية من عطوان إلى بفدان إلى تطوان إلى علان .. إلى .. إلى.. كيف يمكنني أحصاء كل هذه الأسماء التي أصبحت تطال عيني أو أذني أكثر من خمس مرات في اليوم. الحقيقة رغم رجاحة العقل التي اتسم بها (وفق ما أخدع به نفسي أحيانا أو يخدعني الآخرون للمجاملة فقط لا للحظوة لأنني لا أملكها ) أجدني أقف حائراً تجاه ما أراه وما أسمعه : حرب .. لا حرب .. سلام .. قرار .. فرار .. عزل .. قتل .. حشود .. قيود .. بترول ... هيمنة ... أمركة.. دمار .. شرق .. غرب .. ديمقراطية .. حرية ..الخ طوفان من المصطلحات يتداولها الجميع حتى الأخوة الأكاديميون أصحاب "الدالات"المبجلة تركوا أنبل ما يخدمون به مجتمعاتهم وهو العلم بكل معطياته وركبوا موجة التنظير .. ولم يتوقف الأمر على دكاترة العلوم السياسية والبلاغية والتاريخية ولكن تعدى ذلك إلى أساتذة الجغرافيا والتدبير المنزلي والرياضة والفلك والقواعد والميكانيكا والرياضيات .. ممن هجروا معاملهم وأبحاثهم .. هوجة لابد ان يحصلوا من خلالها على مواطىء قدم.. لم لا؟ والدال المفخمة منحة او مفتاح للدخول في عوالم الجهل والتخلف الذي تعيشه المجتمعات العربية (مما حدا بمفكر درس فكرنا جيداً ودرس اسلامنا العظيم وهو (مكسيم رودنسون) أن يقول لنا: اخرجوا من القرون الوسطى .. ) وعلى فكرة ظاهرة الدالات تلك لم تنتشر في الصحافة الغربية الجاهلة مثل إنتشارها في صحافتنا التنويرية .. ولا حتى في فضائيات هؤلاء الجهلة مثلما هي فضائياتنا التي تقدر هؤلاء بما لم يقدرهم الغرب إذ لا يخلو برنامج أو مشاركة من استدعائهم للفتوى السياسية أو النفسية أو الزوجية أو الطبيخية (من طبيخ) .. أو غيره. ربما أطلت كثيراً الوقوف أمام هؤلاء وعلى أن أرجع إلى المنظرين الآخرين وأقول مخاطبا القلة القليلة التي لم يحالفها الحظ بأن تنظر أو تطالها الشهرة أو تشاهد وجوهها على شاشات الفضائيات فتتساءل عنها من تكون ؟ أقول لهم صبرا جميلاً فخبل الفضائيات سيمتد إذ لن تقف عند تلك التي انطلقت مؤخراً وبالطبع إذا اتسم هؤلاء بالذكاء فلن يكرروا نفس الأسماء والوجوه عندها سيلجأون إليكم .. أقول لجاري الكهربائي اطمئن ولصديقي الرسام سيأتي دورك وللبقال الذي أحصل على حاجياتي منه دينا: لا تقلق يا رجل كيف سيتجاهلون طلتك البهية ؟ وأقول لأم غسان والدة صديقي التي تسألني كل يوم عن ميعاد الحرب .. هم سيجيئون إليك ليسألوك واختاري التوقيت الذي يعجبك .. وأقول لأولادي الذين يديرون ظهورهم لي لأنني لم تظهر صورتي في الصحافة أو في الفضائيات رغم أنني أعيش بينهم وأقتات منهم .. أقول لهم لا تقلقوا ستجدونني قريبا مثل هؤلاء في دولاب الملابس وحنفية المياه وطبق الأكل ورغيف الخبز وعلى الحوائط والجدران... ولغير هؤلاء أقول: احمدوا الله على كل هؤلاء المنظرين من أصحاب الأقلام الفخمة والآراء السديدة والوجوه العريضة من الكتاب والدكاتره والأعلاميين والساسة .. نعمة تحسدكم عليها الأمم الأخرى كما حسدتكم على المنظرين العظام أصحاب موقعة الحادي عشر من سبتمبر ... وأقول هل ستهزمون وبينكم هؤلاء ؟ وهل ستصاب أمتكم بالوهن في ظل أصحاب الأفكار المنظرين المختلفين في كل شيء إلا في وجودهم في حياتنا والمتخاصمين مع كل شيء إلا مع أنفسهم. كاد قلمي أن يعض على أصابعي ندما لأنه طاوعني في الحديث عن هؤلاء :فقد خاف من التمادي المفجع ولذا (حرن) عن الكتابة ووعدني خيراً إذ ظن المأفون أنني أحسد هؤلاء على ما هم فية ولكني قلت له قبل ان استجيب لندائه : التاريخ لن يرحم هؤلاء يا غ.... @@ حنظلة العبسي