بات قطاع المعلومات والاتصالات إحدى الركائز الأساسيّة للاقتصاد المبني على المعرفة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. إذ سجّلت معدلات استخدام تقنية المعلومات والاتصالات نمواً هائلاًَ في جميع أقطار العالم، ولكن إن أمعنّا النظر في المؤشرات الأساسية، اتّضح لنا عمق الهوّة الرّقمية بين الدول والمناطق الجغرافية المختلفة. عملياً، يمثل 34بالمائة من سكان العالم 75بالمائة من مجموع مستخدمي الإنترنت، علماً بأنّ مداخيل هذه الفئة مجتمعةً تمثّل أكثر من81بالمائة من الدخل القومي العالمي. بتعبير آخر تشكّل الفئة التي تستحوذ على 81بالمائة من إجمالي الدخل العالمي أكثر من75بالمائة من مستخدمي الإنترنت في العالم. عمق الهوة تعكس الفروق الرّقمية هذه عمق الهوّة بين دول العالم ومناطقه ما يحتّم اليوم على الحكومات وضع استراتيجيّات لتقنية المعلومات والاتصالات لردم الفجوة الرقمية التي لا تنفكّ تتّسع بين الشعوب "المتّصلة" والشعوب "غير المتّصلة" وترتقي إلى المستوى التنافسي العالمي. أجرت شركة الاستشارات الإدارية، بوز آلن هاملتون، حديثاً دراسة لتقييم عمق الفجوة الرقمية في العالم العربي، و"درجة نضج" أسواق تقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة. نضج التقنية إنّ نضج تقنية المعلومات والاتّصالات مرادف لقدرة الدولة على تطوير أسواق تقنية المعلومات والاتصالات و الإفادة من المنافع الاقتصادية والاجتماعية التي توفّرها التقنيات الحديثة. أشارت الدراسة إلى مجموعة من التحديات التي تواجه إنماء أسواق تقنية المعلومات والاتصالات في العالم العربي واقترحت مجموعة من السياسات للتصدّي لها. شمل البحث تسع دول عربية واستند إلى مجموعة من المؤشرات المماثلة لعقد مقارنة قياسيّة بين درجة نضوج تقنية المعلومات والاتصالات في كلّ منها. مستويات انمائية وتضمّن إجراء تقييم مفصّل لمجموعة من البيانات الكميّة والنوعية على مستويات إنمائيّة ثلاثة: السياق العام، الجهوزيّة، الاستخدام ...لثلاث مجموعات: الأفراد، الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، الحكومة. أبان التقييم الدقيق للمستويات الثلاثة عن سعة الهوّة وعمقها ضمن دول العالم العربي نفسه، اعتباراً للجهود المتنوّعة التي تبذلها الدول على اختلافها لإنماء قدراتها في تقنية المعلومات والاتصالات على كلّ من المستويات الثلاثة ومحاولة ردم الفجوة الرقميّة. وقد سمح التحليل المبني على أساس المقارنة بين الدول التسع بتصنيفها في ثلاث مجموعات، كلّ بحسب درجة النضج التي وصلت إليها تقنيّة المعلومات والاتّصالات في أسواقها، كما هو مبيّن أدناه: ثلاثة تصنيفات @ النمو السريع: الإمارات والكويت @ ناشئة: المملكة، الأردن، لبنان ومصر @ نامية: سوريا، عمان و المغرب ويصرّح كريم صباغ، نائب رئيس في شركة بوز آلن هاملتون "لليوم" في هذا الإطار: "تبيّن لنا أنّ ثمّة تفاوتا بالغا بين الجهود التي تبذلها دول الخليج والدول العربية الأخرى لسدّ الهوّة الرّقميّة"، ويضيف "إنّ معدلات استخدام الإنترنت تتراوح ما بين أقل من 1بالمائة في سوريا إلى أكثر من 34بالمائة في الإمارات العربيّة المتّحدة. ويرجع هذا التفاوت إلى تبنّي الإمارات سياسات واستراتيجيّات سليمة أتاحت ازدهار تقنية المعلومات والاتصالات". ويتابع يمكن دول المنطقة الاسترشاد بخبرات الدول المجاورة لها لرفع معدلات استخدام الإنترنت وإنماء قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في اقتصادها، وبالتالي تعزيز قدرتها التنافسيّة في السوق العالميّة. على صعيد آخر تعرضت الدراسة إلى أهمّ التحديات والعوامل المساعدة لإنماء تقنية المعلومات والاتصالات في العالم العربي على المستويات الثلاثة المذكورة: السياق العام @ السياسات والاستراتيجيّات: ليس إنماء تقنية المعلومات والاتصالات في العالم العربي رهن بمنطق السوق فحسب، فمن المهم كذلك أن تحدّد الدول استراتيجيّات التنمية التقنية الوطنية بمختلف نواحيها وتفاصيلها ويشمل ذلك تقييم الفرص والتحديات التي تواجه الإنماء في المستقبل وتعريف هيكليّة السياسات لاقتناص الفرص المتاحة ورفع التحديات. @ التنافس في السوق: يرتبط إنماء تقنية المعلومات والاتصالات بإيجاد سوق تنافسي، ذلك أنّ توفّر الخدمات العالية الجودة والمتدنيّة الأسعار في تقنيّة المعلومات والاتصالات يحفز الطلب على هذه الخدمات. الجاهزيّة @ القدرة على تحمّل تكلفة خدمات تقنيّة المعلومات والاتّصالات: يؤثر عامل التكلفة بالغ الأثر في معدلات اختراق تقنية المعلومات والاتصالات. أهمّ عناصرالتكلفة: تكلفة شراء جهاز كمبيوتر وتكلفة الاتصال بالإنترنت. @ جودة البنية التحتية وتوفّرها: وهما شرطان أساسيّان لتقديم أي خدمة شبكية أوإنشاء أي سوق إلكتروني. تؤثر جودة البنية التحتية وتوفرها في قدرة المجتمعات على الحصول على الموارد الجديدة والإفادة من منافعها. الاستخدام @ الوعي التقني وتوفر الخدمة للجميع: تجمع الآراء على أنّ المدارس والنظام التعليمي من أداة رئيسيّة تيسّر التآلف مع العالم الرقميّ والتوعية التدريجيّة في مضاميره الواسعة، ويمكن الحكومات انتهاج سياسات تثقيف وتوعية عبر محاولة تضمين المناهج التعليميّة برامج تعليم تكنولوجيا المعلومات @ تطوير المواد باللغة العربية: إنّ افتقار شبكة الإنترنت إلى المواقع والمعلومات باللغة العربية أحد أهم الأسباب التي تعوق انتشار تقنية المعلومات والاتصالات في العالم العربي علماً بأنّ تطوير هذه المواد هو الحافز الأول للمستخدم العربي. التصدي للتحديات حدّدت الدراسة الدول التي تنتمي إلى مجموعة النمو السريع على المستويات الثلاثة، وقدّمت موجزاً عن السياسات والبرامج التي أصابت نجاحاً في التصدّي للتحدّيات الرقميّة. اقترحت "بوز آلن" كذلك مجموعة من السياسات الكفيلة بتحسن فعاليّة أسواق تقنية المعلومات والاتصالات والحدّ من مخاطر تهميش دور هذا القطاع ودعم الخطط الوطنية الرامية إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام. نماذج متقدمة استندت التوصيات إلى السياسات العالمية المثلى التي تطبّق حالياً في تسعة أسواق متقدّمة لتقنية المعلومات والاتصالات (المملكة المتحدة، السويد، كندا، أستراليا، الولاياتالمتحدة، إيطاليا، اليابان، ألمانيا وفرنسا).وقد تمّ انتقاء هذه المعايير بناءً على 150 مقابلة وجهاً لوجه فضلاً عن مقارنة قياسيّة بين مختلف السياسات المتّبعة. ركزّت الدراسة على السياسات التي لاقت أصابت نجاحاً ولاقت صدىً إيجابياً في أسواقها الأم، وصنّفت النتائج في مجموعات على المستويات الثلاثة الآنفة الذكر(السياق العام، الجهوزيّة والاستخدام) كيما تقدر الدول العربية أن تستفيد من هذه التوصيات بحسب التحديات الأساسية التي تواجهها أسواقها. توصيات في ما يلي أهمّ التوصيات المتعلّقة بالمنطقة: @ تصميم خطة واضحة وشاملة لتطوير تقنية المعلومات والاتصالات، تدعمها أعلى السلطات السياسية. @ سنّ أنظمة وقوانين في ميدان الاتصالات تشجّع المنافسة من طريق إعادة تنظيم قطاع الاتصالات وتحريره وخصخصته. @ السعي من أجل توفّر الأجهزة لدى الأفراد والشركات (لا سيّما الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم) والقطاع العام، ووضع برامج تأهيل وتدريب الكوادر البشرية لتحسين قابليّة اللاعبين في السوق للاستفادة من منافع تقنية المعلومات والاتصالات. @ اقتراح الاستراتيجيات الملائمة للحكومات لتوفير الخدمات الحكومية الإلكترونية والمشاركة في الإلكترونية. @ ردم الهوّة الرقمية من خلال اتخاذ مبادرات إيجابية وسط فئات المجتمع الأقل إقبالاً على خدمات تقنية المعلومات والاتصالات. @ تعزيز التوعية الإلكترونيّة في مجتمع الأعمال. @ حفز الخدمات العامة عبر الإنترنت من خلال تطبيق الحكومات استراتيجيات وسياسات ترمي إلى زيادة معدلات استخدام الإنترنت لدى الأفراد و الشركات والحكومة. @ تشجيع الإلمام بتقنية المعلومات والاتصالات من خلال التدريب وبرامج التوعية والتثقيف وبناء الثقة. @ تضمين المناهج التعليمية المعرفة والمهارات المتعلّقة بتقنيّة المعلومات والاتّصالات. خلصت الدراسة إلى أنّ على الدول العربية صياغة سياساتها، كلّ بحسب اعتباراته الخاصة وظروفه المحليّة، (البنية التحتية، مهارات تقنية المعلومات،التعليم الخ ). ولكن من الأهمية بمكان أن تدرك الحكومات العربية أنّ فرص مواكبة ركب الدول المتقدّمة محدودة ويتعيّن عليها بالتالي السعي دونما مماطلة من أجل دعم تقدّم تقنيّة الاتّصالات والمعلومات في بلادها.