الفناء هو مساحة غير مسقوفة مقتطعة من كتلة البناء وعادة تكون مربعة الشكل. والفناء بهذا التعريف المبسط عنصر أساسي في العمارة العربية والإسلامية سواء في عمارة المنازل أو بقية أنواع البناء الأخرى كالمساجد حيث يمثل صحن المسجد مساحة كبيرة منه وكذلك الحال في أفنية المدارس والحانات التجارية والاستراحات والقصور وبقية أنواع البناء التي يزخر بها تاريخ العمارة العربية والإسلامية. هذا الحضور التاريخي والمستمر للفناء مؤشر قوي على الدور الهام الذي يلعبه الفناء في هذه الأبنية باختلاف وظائفها. وبالرغم من الاختلافات الظاهرة في شكل الفناء وحجمه من بناء لآخر إلا أن الفناء يقوم بأدوار متشابهة في هذه الأبنية المختلفة وظيفيا فهو مكان الالتقاء والتجمع وبذلك يعزز من الصفة الاجتماعية لمعظم أنواع البناء. ونظرا لكون الفناء بالتعريف داخل كتلة البناء فإنه عادة يكون المركز الذي يربط كافة أجزاء البناء وهذا يتوافق تماما مع الطبيعة الاجتماعية المنوطة به. ولأنه في الداخل فإنه مركز الثقل في هذه العمارة وهو بذلك يحقق مطلب الخصوصية. كما أنه أيضا يقلل من المسطحات الضخمة لمساحات البناء ويعطيها متنفسا فراغيا. كما أن الفناء يربط البناء بالبيئة الخارجية ويوجد نوعا من التواصل البصري والفيزيائي معها. لهذه الأسباب مجتمعة ولترابطها وتكاملها كان الفناء دوما عنصرا حاضرا بقوة في عمارة الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية. فيما مضى كان الفناء الداخلي هو القلب النابض في المنزل. فيما مضى كان أفراد العائلة يجلسون في الفناء يتجاذبون أطراف الحديث ويتناولون طعامهم ويتسامرون.لقد أصبح الفناء هو المكان الذي يتم فيه معظم الممارسات الجماعية لأفراد الأسرة لذلك فإن الفناء هو ما تبقى في ذاكرة من عايش العمارة التقليدية أو بعضا منها لسبب بسيط وهو أنه كان فراغا حيويا ينبض بأوجه الحياة الأسرية والاجتماعية. إضافة إلى الدور الاجتماعي الذي يقوم به الفناء حيث إن للفناء أدوارا أخرى لا تقل أهمية. وتكمن أهمية الفناء في أنه يربط المسكن ببيئته المباشرة. ففي الفناء وعبر الفناء تدخل الشمس إلى داخل البيوت لتبعث فيها الدفء والنظافة وبإمكان الفناء أن يكون حديقة غناء للمنزل. وعبر الفناء تهب نسمات الهواء لتهوية البيت وعبر الفناء ينظر المرء كلما أصبح فيه وأمسى إلى الخارج ليرى زرقة السماء ويظل على احتكاك بالعالم الخارجي بدلا من الانغلاق داخل صناديق من الخرسانة. هذه المهمات المتعددة للفناء بإمكانها أن تعيد الروح والبهجة إلى المسكن السعودي المعاصر. يعود غياب الفناء عن المسكن السعودي المعاصر إلى أسباب كثيرة منها ما هو متعلق بأنماط التخطيط المتبعة في الأحياء السكنية ومنها ما هو متعلق بفلسفة التصميم السائدة في المكاتب الهندسية. غير أن العامل الأهم الذي قضى على الفناء هو إمكانية تكييف الهواء آليا حيث أصبح وجود الفناء أمرا غير مرغوب فيه. غير أنه بالإمكان تماما الحفاظ على الفناء كعنصر مركزي في تصميم البناء مع الاستفادة من التكييف الآلي لفراغات البناء. ان إعادة الاعتبار للفناء في العمارة السعودية المعاصرة لا تعني الاستغناء عن التكييف الآلي فهذا محال ولكن إعادة تمركز وتوزيع فراغات المباني حول فناء مركزي مفتوح غير مسقوف لبعث الروح والانتماء في هذه العمارة. قد يرى البعض في الصالة الرئيسية في المنزل المعاصر بديلا عن الفناء. ويبقى ذلك احتمالا واردا غير أن ذلك مرهون بمدى استجابة الصالة لتلك المهام الوارد ذكرها آنفا. ويبقى الفارق بين الصالة والفناء أن الأولى مسقوفة أو مغلقة بينما الفناء مفتوح. بإمكان الصالة أن تعوض عن الفناء التقليدي إذا كانت تطل على الخارج وتنشئ علاقة استمرارية معه وبإمكان الصالة أيضا أن تطل على الفناء نفسه وبالإمكان الجمع بين الفناء والصالة. وعلى أية حال فإن وجود الصالة والفناء لا يعني إلغاء أحدهما الآخر. بل إن تكامل الصالة مع الفناء وإيجاد علاقة وثيقة بين الاثنين مطلب أساسي إذا ما أريد الحصول على فراغ معماري مميز. ان بعض عيون العمارة السعودية المعاصرة قد استمدت فكرتها في الأساس من الفناء.لقد أدى غياب الفناء الرئيسي عن البناء المعاصر خصوصا في المنزل إلى وضع رتيب أصبحت معه البيوت عبارة عن غرف مغلقة عديمة التهوية والإضاءة معزولة عن الفضاء الخارجي وتفتقد أبسط معايير جماليات المكان والفراغ الخاص بها. ومن هنا فإن بإمكان الفناء إذا ما أعيد تفعيله في العمارة السعودية المعاصرة أن يقضي على الكثير من أوجه القصور المعمارية تلك. يمكن استغلال الفناء في استقبال الضيوف