الشاعر ابن بيئته .. ومرآة راصدة لحركة الناس والأشياء في عصره. اقول هذا الكلام التقريري بعد ما قرأت قصيدتين لشاعرين في موضوع واحد .. إلا أن الزمن كان هو الفارق بين الشاعرين .. ناهيك عن المكان !!! الموضوع هو (الأرملة) والشاعران هما الرصافي والجلواح.. والزمن هو الفارق بينهما / قرن من الزمان تقريبا.. للأرملة لا تعجب عزيزي القارئ من الفارق بين الصوترين للأرملة .. فأرملة الرصافي ليست كأرملة الجلواح وبقول اوضح وافصح أقول: ان ارملة العقد الأول من القرن العشرين ليست بأي شكل كأرملة العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فأرملة ذلك الزمان في فقر مدقع الدقع هو الذل وملق موجع .. الملق هو انعدام المال بالكلية.. لذلك عندما رآها الرصافي رق لها ورثي لحالها وقال:==1== لقيتها ليتني ما كنت ألقاها ==0== ==0==تمشي وقد اثقل الإملاق ممشاها أثوابها رثة والرجل حافية ==0== ==0==والدمع تذرفه في الخد عيناها بكت من الفقر فاحمرت مدامعها ==0== ==0==واصفر كالورس من جوع محياها الموت أفجعها والفقر أوجعها ==0== ==0==والهم انحلها والسقم اضناها ==2== نعم السقم اضناها على وليدتها اليتيمة التي لا لبن لها في صدر أمها حتى راحت انها امها تجأر لخالقها:==1== تقول يا رب لا تترك بلا لبن ==0== ==0==هذي الرضعية وارحمني واياها ==2== ولما تصدق عليها الشاعر بما قسم الله لها قالت:==1== لو عم في الناس انصاف ومرحمة ==0== ==0==لم تشك أرملة ضنكا بدنياها ==2== وختم الرصافي قصيدته بقوله: اولى الأنام بعطف الناس أرملة واشرف الناس من بالمال واساها هكذا غالب ارامل قبل قرن ... ذلك حال الأرملة في العقد الأول من القرن العشرين ..اما بعد قرن من الزمان .. اي في العقد الاول من القثرن الحادي والعشرين فأن أبا جلواح قد نظر إلى الأرملة من خلال منظار عصره وبيئته.. فالأرملة في هذا القرن (بطرانة) بالمعنى الشعبي لا المعني المعجمي .. يعني اما موظفة وتلعب بالفلوس لعب .. سواق وخدامه وبيت او قل فيلا بها من اسباب الرفاه ما لا يخطر لك على بال. من أجهزة وأثاث وووو.. ذلك إذا كانت السيدة الأرملة موظفة إما إذا لم تجد لها وظيفة ما لعدم حملها شهادة عملية او أنها تحمل مثل هذه الشهادة ولكنها لم يفسح لها ديوان الخدمة مكانا (وظيفة شاغرة) فإنها تحظى برعاية الجمعيات الخيرية التي ترعاها رعاية لا تجعلها تحتاج حتى الى الدواء ... ترمم بيتها إذا كان يحتاج الى ترميم .. وتشتري لها الفرن والثلاجة والمكيفات ووووو... ومعونة الصيف ومعونة الشتاء ومعونة بدء العام الدارسي وووو.. إذن الأرملة مرفهة في بلادنا الى حد البذخ لذلك انصرف نظر الجلواح عن هذه الناحية وراح يخاطبها من زاوية أخرى , وهي: البحث أو الرضا بزوج يسترها وتعيش في ظل (رجل)ظنا من شاعرنا ان بقاء هذه الأرملة عزباء دون زواج بعد وفاة زوجها هو وفاء لزوجها الراحل وحبا في انجالها وابخالها وحفاظا عليهم من ذل رجل الأم. آسف أعني زوج الأم ... هذ ما اضطره أن يقول: من قال ان الحب يبقى في وفاء الأرملة؟ من قال كوني شمعة تفنى بنار مشعلة؟ ما الانتظار والليالي تمضي فاعلة؟ اديت فرضا واجبا .. وكنت حقا فاضلة!!! وبعد فأرملة الرصافي مسكينة ممزقة الثياب جائعة بائسة لا تكاد عيونها تجف من دموع الترمل ودموع الجوع والحزن والأسى والحنان على وليدتها الزهرة.. ما تصنع الأم في تربيب طفلتها إن مسها الجوع حتى جف ثدياها يا رب ما حيلتي فيها وقد ذبلت كزهرة الروض فقد الغيث اظماها اما أرملة الجلواح فإنها المرأة الشابة الجميلة بل الفاتنة حتى تجرأ بخطابها بهذه الأبيات التي تحمل في طياتها تاء الخطاب المباشر. ولم يكتف أبو جلواح بالمعنويات الجميلة .. بل دخل عليها وفاجاها بقوله: وانت حسن فاتن .. فلا تكوني جاهلة!! والعمر يا سيدتي سنينه مهرولة!!! عيشي بفكر صائب كي لا تعيش مهملة !! وتمادى شاعرنا في توغله وراح يحرجها بتساؤلاته: قولي لمن هذا الشباب الحي؟! قولي لمن هذي العيون السود ؟! لمن هذا الصبا؟! لمن هذا القوام الغض؟؟؟ قومي الى المرآة هيا .. واستخرجي المكياج جذابا.. قومي انفضي الاحزان وانسي ان تكوني أرملة وارضي بزوج مسلم .. إن جاء ينهي المشكلة.. لك الله يا سيدتي الأرملة الحسناء الشابة ... الم تتعبك الأحلام الوردية والداكنة ؟ والعاصفة والهادئة ؟ ألم يتجمد لديك كل شيء كان دافئا بعد هذه المدة الرمادية؟ تقولين: سأصبر .. حسنا .. ولكن إلى متى ؟! رحم الله من لا يزال صوتها يجلجل بهذه الحملة الصادقة: (إنما للصبر حدود) هل سمعتها في ليلة أرق ممض؟؟