بكل المقاييس لاشك ان الحرب كريهة وبشعة ففيها يتعرض الانسان للمخاطر وتستنزف الموارد وتتبدد الطاقات وتتعطل المصالح فضلا عما تحمله من مفاجآت مجهولة لا تتعطل المصالح فضلا عما تحمله من مفاجآت مجهولة لا تطيب للكثيرين من البشر ولا تستوي مع حب الانسان للسلم والاستقرار ومامن انسان عاقل يؤيد الحروب مهما كانت اسبابها ودوافعها فويلات الحروب تصيب كل من يقترب منها فيما هي تؤذي ضمير البعيد عنها. من هذه المنطلقات يفهم الانسان الدوافع الاخلاقية للقوى المناهضة للحرب المحتملة على العراق في العواصم الغربية وفق ما تتناقله وسائل الاعلام هذه الايام فهذه القوى المتنوعة تمثل عناصر منتجة وفاعلة في مجتمعاتها وهي تمتلك كامل حقوق المواطنة وتتمتع بكافة الحريات وتسهم في مجتمعاتها من خلال العمل الجاد ودفع الضرائب ولها حق تغيير من يمثلها في السلطة من خلال الاقتراع الحر وعندما تخرج الجموع الى الشوارع في المدن الغربية مناهضة او تأييدا لاي عمل ما سواء كان يخص البيئة او يمس الحقوق او يتعلق بالحرب او السلام او اي من المصالح الاقتصادية انما تفعل ذلك بمحض ارادتها الحرة فما من احد جيشها لهذا الغرض وكل مشارك في هذه المظاهرات استقطع جانبا من وقته وراحته ومصالحه وتحمل الاعباء ليعبر عن ضميره وهو ما يستدل عليه من خلال تنوع اللافتات والشعارات المحمولة وبشكل يعبر بجلاء عن شخصية حاملها. وعندما يناهض الغربيون الحرب المحتملة على العراق هم كذلك يدافعون عن بعض من مصالحهم الوطنية وحقوقهم المدنية فأبناؤهم العاملون في القوات المسلحة سيتعرضون للمخاطر والأذى كما سيذهب جزء من مساهماتهم الضريبية الى تمويل الحرب وتبعاتها عوضا عن مشاريع مدنية مفيدة لحياتهم اليومية والكثيرون منهم خبر الحرب او شارك في بعضها وخاصة في اوروبا او ساهم في التخفيف من ويلاتها عبر التبرعات والاعمال الخيرية والتطوعية في ساحات مآسي الصراعات حول العالم. ومناهضة الحرب عند هؤلاء تستند الى موقف متكامل الاركان اخلاقيا ومبدئيا ومصلحيا في مناهضة الحروب بجميع اشكالها ومبرراتها وبالتالي لاتوجد في الغرب حركات او مظاهرات تنادي بالحروب كأننا ماكان السبب او الدافع او المبررات ولا يرد فيها اي تأييد للنظام العراقي بل كل الازدراء والرفض والحركات المناهضة للحروب هي حركات تنادي بالسلام وهي حركات مدنية ضاربة في التنظيم والديمومة وليست موسمية وحتى في احلك الظروف التي مرت بها الدول الغربية لايشير التاريخ الى جموع بشرية خرجت تنادي بالحرب! هذا الاستعراض والتحليل لطبيعة الحركات الغربية المناهضة للحرب على العراق يبرزان التناقض الصارخ بين هذه الحركات وبين المظاهرات الموسمية لهذه الحرب في بعض العواصم العربية فالمظاهرات العربية التي تقدر ببضعة آلاف مقارنة بالملايين في الغرب هي في الغالب مسيرة من قبل الانظمة الحاكمة او من قبل الاحزاب القومية او الاسلامية ذات الرؤى المنحازة للنظام العراقي او التي تستهويها طبيعته التسلطية. وباستثناءات محدودة كما في الجامعات اللبنانية نادرا ما يتطوع المواطنون العاديون للمشاركة في هذه المظاهرات التي يغلب عليها الاحتراف والتجييش وابلغ دليل على ذلك تلك اللافتات المنمقة والمخطوطة باسلوب محترف لا يعبر عن روح المتظاهرين ومما يدلل على انها مدفوعة الاجر من قبل طرف ذي مصلحة ولا يحتمل المشاركون في هذه المظاهرات اعباء مشاركتهم من حيث الوقت أو لتكاليف بدليل التظاهر خلال اوقات الدوام الرسمي او بعد فسحه أداء صلاة الجمعة بعد تأليب خطباء الاحزاب الاسلامية في المساجد والمشاركون محمولون في حافلات مدفوعة الاجبر سلفا ولا يتحمل اي منهم كذلك المسؤولية الادبية او المادية المترتبة على المواقف اللفظية وتنتهي مهام المشاركين بانفضاض الجمع فلا يعني احد من هؤلاء نفسه بترجمة مايؤمن به الى مساهمة مادية او عمل تطوعي مفيد يعود وبانتهاء التظاهر تنفك الرابطة وتنحل المسئولية. والابرز والاهم في الفروقات بين المظاهرات الغربية والعربية هو دافعية المشاركين وما يحملونه من شعارات فبينما ترتفع شعارات نعم للسلام ولا للحرب وانقذوا اطفال العراق في مظاهرات الغربيين يغيب عن مظاهرات العرب اي ذلك للشعب العراقي ومعاناته وظروفه وتتسم مظاهرات العرب بالعنف اللفظي والتأييد للعراق ولا تخلو من صور صدام وجموعها تهتف بحياته وبينما يغني المتظاهرون في الغرب للسلام ويمارسون كافة اشكال التأثير السلمي في حكوماتهم والرأي العام هناك.. نجد ان قرناءهم العرب يتنادون للحرب وتلتهب مشاعرهم بالحماسة اللفظية التي اعتادتها الساحة العربية وغالبية المشاركين العرب يؤيدون الارهاب وينتصرون للتطرف ويجدون في بن لادن وصدام وغيرهما من المجرمين رموزا للقوة والتحدي والامل ومن المفارقة ان ينتصر المتظاهرون الغربيون للشعب العربي المسلم في العراق وهم الذين تضررت حياتهم ومصالحهم من الارهاب الآتي من المنطقة بينما تتسابق الغالبية العظمى من المتظاهرين العرب في تأييد الارهاب وحركاته ورموزه. وفي المشهدين تغيب ملايين الشعب العراقي الحر في المهجر عن التظاهرات ضد الحرب أو التنديد او الاعتراض على مايدور في الساحة الدولية والاقليمية رغم انها المقصودة من الاحداث القادمة وما سيترتب عليها ولعل في ذلك ابلغ عبرة من جميع الاصوات. د. احمد بشارة الاتحاد الاماراتية