هذه قصة تترجم ما يتمتع به رجال القبائل الأصلية من صفات حميدة وخصال فريدة تميزهم عن غيرهم في زمن النهب والسلب والجهل وقانون الغاب عندما كان يغزو القوي الضعيف ويسلبه كل ما لديه ثم يقتله وليس هناك من يقتص له من ذلك الظالم. ان هذه القصة حدثت قبل توحيد المملكة على يد صقر الجزيرة وموحدها ((رحمه الله)) ، عندما غزا جيش الأمير/ محمد بن عبدالله الرشيد حاكم حائل الذي يتزعم رجال شمر الذين لا تخونهم الشجاعة في الملمات وفي سود الليالي، واخذوا ابل ظافر بن جليغم الفهري من عبيدة من قبيلة قحطان الشجاعة ، ولكن ابن رشيد لم يكن يعلم لمن كانت هذه الإبل. وكما هو معروف لكل مُطلع على قبائل وانساب العرب الأصلية والكُتب الموثقة، أن صلة آل رشيد بالفهر صلة قوية ويرجعون إلى جد واحد هو ((ضيغم)). وكانت العادة قد جرت على ألا يعتدي أبناء العمومة أحدهم على الآخر، أو يسلب ابله وماله، وإذا حدث شيء من هذا القبيل بطريق الخطأ فعلى المعتدي أن يرد ما أخذه لصاحبه، خاصة ان قوانين القبائل تحتم عليه ذلك. وعندما استولى محمد بن عبدالله الرشيد على ابل الفهر من عبيدة القحطانية، ووصل إلى محله في حايل ، إذا بوفد من قبيلة الفهر يتكون من خمسة عشر شخصاً يطلب مقابلته. وكان بين الوفد شاعر مخضرم ، وراوية للتاريخ وانساب العرب هو ظافر بن جيلغم.. وسألهم محمد الرشيد عن طلبهم ، وكان هو أيضاً من رواة التاريخ المخضرمين.. فأجابه ظافر بن جليغم: ((نستادي)) ، أي تردون علينا ما أخذتموه .. و أراد محمد بن عبدالله الرشيد أن يختبر ظافر بن جليغم ، فقد كان يعلم عنه قول الشعر، ورواية التاريخ فقال له: هل جئت هنا تحت رحمة الله، أو أنت تطلب أن أعطيك من طيبي، أم انك تطالب بحق ثابت تؤيده القوانين؟ و أجابه ظافر بن جليغم قائلاً: إذا أنت أعطيتني الحق من نفسك فإن طيبك تحطه في جبل سلمى. وقال له محمد بن عبدالله الرشيد وهو يرغب في مداعبته : يقولون انك شاعر، فماذا قلت وأنت في طريقك إلينا؟ و أجابه ظافر بن جليغم قلت: ==1== ياراكبٍ خمسة عشر مستعدة==0== ==0== حرايرٍ تفعل على ما تريدي مقيال اهلهن في وصوط الاشدة==0== ==0== وغب اربعٍ بك عند ولد العبيدي يا ما عطى من سابقٍ مستجده==0== ==0== من غير صرف المارتي والمجيدي الضيغمي ما نمدحه لأجل مده==0== ==0== غير ابن عمٍ لي وفعله يزيدي خمسة عشر ما بين جدي وجده==0== ==0== وانا اشهد ان عدي وعده وكيدي ==2== وعندما سمع محمد العبدالله الرشيد هذا الكلام قال ضاحكاً: يا ظافر بن جليغم، أنا وأنت في ثلاثة عشر جد ، ولم نصل إلى خمسة عشر جد. قال ظافر: إنني اعرف ذلك ولكن القاف لم تركب إلا على خمسة عشر. وضحك محمد بن الرشيد وقال: إذاً أنا طيبي أحطه في جبل سلمى وكذلك جبل أجا.ورد لهم محمد بن عبدالله الرشيد جميع أموالهم التي أخذها بطريق الخطأ بعد أن اكرم وفادتهم وعادوا إلى ديارهم معززين وشاكرين ربهم الذي كتب لهم التوفيق في استرجاع حلالهم وابلهم دون قتال أو سيل دماء.