جبلت النفس البشرية على حب الثناء والمديح كما انها تكره النقد وتمل النصيحة وتخشى مواجهة العيوب والسلبيات. لذلك تخصصت فئة من الناس في تزييف الواقع وتجميل الصور وتحسين كل أمر مشين, عرفت خبايا النفوس فعزفت لها ما يحببها اليها. عبر التاريخ وفي كل عصر ومصر تبرز هذه الفئة في هيئة المداحين وماسحي الجوخ شعراء أوغيرهم نساء كن ام رجالا ينفر المجتمع منهم ويصفهم بالنفاق ومع ذلك فهم يجيدون العزف على كل آلة والسباحة مع كل تيار والتنقل بين مدن وقصور الخلفاء في رحلة من المديح والهجاء والتزلف والاستجداء. حتى في غمرة المآسي والاحزان يأتي المتخصص في النفاق ليضفي مديحا يكشف عنه زيفه وقمة غباء مستمعه الذي يقبل بهذا المديح. فيقول الشاعر للخليفة:==1== مازلزلت مصر من كيد يراد بها==0== ==0==وانما رقصت من عدلكم طربا==2== لم يهتم الشاعر ببكاء اليتامى وعويل الايامي وتشرد الناس فهمه الاول والاخير ان يرضي الخليفة ولو على حساب المأساة. بلغت قمة النفاق ان جعل العدل الذي هو اساس الملك اساسا للرقص, وصرف الانظار عن حقيقة الاشياء. رقصت الارض ورقص النفاق ورقصت آلامه مذبوحة عجزا وحزنا, والنفاق اخطر على الامم من الكوارث الطبيعية, لانه عملية مستمرة تنخر في جسد الامم ومؤسسات الدول بينما الكوارث الطبيعية حالة استثنائية. واخطر من النفاق قبوله والاستمتاع به, فتنقلب الامور ويصبح الحق باطلا والباطل حقا وتغيب المصداقية ويتلاشى الامل في تحقيق الانصاف. ليس بعيدا في عصرنا الحاضر ان نسمع من اهل النفاق مقولة: ان الشمس لا تشرق الا اذا استيقظ الزعيم وان المطر لا يهطل الا حزنا على مرضه او سفره او فرحا بعودته. أليس في القاب ومسميات المهيب والزعيم والملهم وام المعارك نفاق على حساب اهل العراق والنتيجة كما ترون وتسمعون.