في الثاني عشر من فبراير 2010م نشرت صحيفة «الأهرام» المصرية خبراً على صفحتها الأولى (الضحك الهستيري - مرض يصيب بعض السودانيين) وتناولت ظاهرة غريبة شهدتها منطقة الخوي شمالي كردفان، تمثلت في حالة ضحك هستيري وقهقهة عالية أصابت نحو 80 شخصاً على الأقل، دون سبب واضح، وتكهن وزير الصحة بشمال كردفان عبدالحميد منصور بأن نوعاً من القمح المخصص للزراعة (تقاوي) تسرب إلى بعض أسواق الولاية، فتناوله البعض في وجباتهم، فسبب لهم هذه الحالة من الضحك والهذيان. أحد الكتّاب طالب في صحيفة الصحافة السودانية وزارة الصحة بمعالجة الحالات قبل أن تتسع دائرة الضحك وتغمر موجة القهقهة كل الولاية أو كل السودان، ونصبح شعباً ضاحكاً بلا سبب. ولعل أغرب ما قاله بعد التشديد على ضرورة توفير الدواء لذلك الداء أنه (ليس من العقل أن نهمل هذا الأمر الجلل، ونفقد ما يميزنا عن شعوب الدنيا والعالمين، حيث تميز الشعب السوداني عن بقية شعوب الكرة الأرضية، بالجدية، والصرامة، والحزن، والكآبة، والبؤس والوجه العبوس). وجدت هذه القصاصة بين أوراقي، فتوقفت عند السطرين الأخيرين للكاتب ومباهاته بأنهم شعب صارم وجاد، وبما معناه، أن الضحك يفقد الإنسان الهيبة، وهو نوع من الفرح ليسوا بحاجة إليه. أقرأ ذلك وخطان متوازيان أمامي، الأول، ما تربينا عليه، وتلك العبارة الشهيرة أو الحكمة، «الضحك بلا سبب من قلة الأدب» والخط الثاني ما نعبر به كعرب منذ سنوات طويلة من المآسي والهزائم النفسية والاجتماعية، والسياسية، والحروب، والنكسات وآخرها الثورات التي لم تتمخض بعد، وما تزال إفرازاتها تدفعها الشعوب، والبسطاء والأبرياء، هذا التوازي، وهذه المرارات المتوالية من الضرورة أن تغير المفهوم، وتدفع إلى التعامل مع الحياة بطريقة مختلفة تساعدنا على تحملها صحياً، ونفسياً، ومادياً، واجتماعياً، وسياسياً. علينا أن نضحك ونتجاوز لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وعلى ماذا؟ نضحك لأن الضحك يحفز الجسم والعقل معاً، فمن يضحك بطريقة صحيحة سوف ينسى همومه اليومية، ويوغا الضحك كما يقول أطباء الأعصاب توفر تأثيراً فعالاً على القلب، وتحفز الجهاز الدوري كله، كما أن التسارع الناجم في التنفس يحسن تدفق الدم، ويقوي جهاز المناعة، خاصة إذا كان الضحك من القلب، وهو يوغا فعالة إن لم تنفع، فلن تضر في كل الأحوال. الأطباء النفسيون يرون أن الضحك يطيل العمر، ويجعل الدم يتدفق في العروق بسرعة، بل يساعد على تكسير الهرمونات التي تسبب التوتر - أو الاجهاد، والضحك مع أشياء أخرى ينشط العواطف الايجابية في المخ. والضحك هو تعبير عن التحرر الخالص والتام من التوتر، ومن خلاله تتخلى عن ضبط النفس. الأطباء المعالجون يدعون المرضى إلى النظر إلى الأشياء التي تثير الضحك في الحياة اليومية وإلى تنشيط الاستجابة اللاإرادية لها مما يحقق حالة مزاجية طيبة وهذا بدوره يثير ضحكاً من القلب، ولكن هذا صعب اليوم على كثير من الناس في ظل ضغوط الحياة. إحدى عضوات نوادي الضحك ترى أن الضحك يتطلب قدراً من الشجاعة، ولكن إلى حد ما يتسبب الانضباط المطلوب لتربية الأطفال في الحد من القدرة على الاستمتاع، فالناس يخشون السلطة الأبوية بإبداء روح المرح، أو عمل شيء سخيف. ومن يضحك تكون لديه قدرة أفضل على حل النزاعات، كما أن الحكماء قالوا إن الضحك ينقي النفوس. وفي حياتنا اليومية نعتاد وجوهاً لم نلتق بها إلا وهي ضاحكة، مستبشرة حتى وإن كانت ترتدي همومها، هي اعتادت ان تقابل الحياة بالضحك، لكن ماذا عن الأغلبية التي ترتدي التكشيرة، والتعقيد واسألوا الطلبة والطالبات الصغار، وكيف يغضب مدرس من طالب ابتدائي إذا ضحك ويعتبره قليل أدب ومتجاوزا، ومستهترا، حتى في المنزل قد تجد نفسك تسأل لماذا تضحك؟ لا يوجد ما يضحك وهي مصادرة غير مشروعة لحقوق الآخر في أن يستمتع بما يشعر به في تلك اللحظة، وقديماً قيل (إن اليوم الذي خسرناه من حياتنا هو يوم لم نضحك فيه). وطالما لم نتمكن من أن نغرس هذه الحياة المريرة بالزهور، فلا أقل من أن نزينها بالضحك. نحتاج أن نضحك من القلب وسط كل هذه التراكمات الموجعة لكن هل نستطيع؟ ليس لتجاوزها فقط؟ ولكن لنعيش ونحن نشعر أننا نتلمس لحظة حياة..!!