يبدو أن ثورة المساحيق النسائية والخلطات التجميلية التي شاعت وانتشرت في هذا العصر انتقلت عدواها إلى العمارة، فأصبحنا نشاهد مباني معمارية ملطخة واجهاتها بالمكياج والمبيضات والمحسنات، وإذا كانت المرأة المهووسة بالمكياج تلجأ كما يقولون لتلطيخ وجهها بالمساحيق والمعاجين لكي تداري عيوباً في شخصيتها أو تخفي تجاعيداً في بشرتها فإن المعماري الذي يبالغ في تنميق وتحسين وزخرفة المبنى يحاول في الغالب ان يخفي عيوباً في التصميم وربما في التنفيذ، وإذا كانت المرأة الجميلة لا تحتاج إلى مكياج أو على الأقل لا تبالغ في استخدامه لأنه يمكن أن يشوه جمالها وحسنها فإن التصميم المعماري الخلاق أيضاً لا يحتاج لإضافات تجميلية أو زخارف مبالغ فيها أو تشكيلات مفتعلة يمكن أن تضعف من قيمة التصميم. ما أود الإشارة إليه هو أن الفن والجمال والزخرفة يمكن أن تفسد العمارة إذا لم تكن متوازنة ومدروسة ومبررة في نفس الوقت وكما يقول المثل العامي الدارج: (الشيء إذا زاد على حده انقلب الى ضده)، فالعمارة الجيدة لا يجب أن تستهدف إحداث بهرجة بصرية وأضواء وظلالا وتأثيرات بصرية دون فهم عميق للشكل المعماري المرتبط بالوظيفة ومواد البناء المستخدمة والأنظمة الإنشائية المتبعة وموقع المبنى، ولذلك فالجمال المعماري ليس مجرد إضافات وملحقات تجميلية وزخارف وتشكيلات مصطنعة وإنما يأتي من عملية التصميم نفسها (Design)، وهذا الجمال لا يمكن أن يأتي نتيجة لأهواء المعماري الشخصية أو محاولاته لافتعال التشكيل وإنما يأتي أولاً من وظائف المبنى ومن فكرة التصميم ومن طبيعة المواد وطريقة الإنشاء. قد تكون الإشكالية أن الجمال المعماري مفهوم غير واضح للعامة وربما يشوبه بعض التشويش لدى المعماريين أنفسهم، والسبب في ذلك ربما يعود للخلط الشائع بين جمال الشكل المعماري وجمال الشكل الفني، وهنا لابد من التوضيح أن جمال العمارة له أسبابه ومبرراته بعكس الجمال الفني في الرسم أو النحت والذي يمكن أن يكون خاطرة أو نزوة أو عبثا وربما جنون !!، فالعمارة في المقام الأول تقدم وظيفة انتفاعية وهي السكن أو الدراسة أو العمل أو غيرها ولم تقدم يوماً مبنى ليكون تمثالاً ضخماً أو لوحة فنية كبيرة ولم نسمع عبر التاريخ عن مبنى أنشئ لكي يكون فقط تحفة فنية .. إذاً الجمال المعماري مطلب إنساني يعزز الوظيفة الأساسية للعمارة ولذلك فهو يأتي من الأشكال التي أوجدتها عدة معطيات مثل الوظيفة والمتطلبات الإنشائية والمواد نفسها وألوانها الطبيعية وملمسها الحقيقي، ولتحقيق درجة مقبولة من الجمال المعماري أثناء التصميم يجب أن يتم التحقق من معاملة كل مادة من المواد المستخدمة وفقاً لطبيعتها وخصائصها، وأن يتم احترام النظم الإنشائية المتبعة في المبنى وتوظيفها لإعطاء بعد جمالي، على أنه لابد من الإشارة إلى أن الجمال المعماري ليس مقصوراً على المظهر فقط وإنما يمتد إلى جوهر التصميم من خلال توزيع عناصر المبنى وربطها ومراعاة انسجامها، وكذلك من ملائمة المبنى للموقع الموجود فيه واندماجه في البيئة المحيطة به وتفاعله مع عناصرها الطبيعية. مما سبق نستخلص أن الجمال المعماري يجب أن يكون (جمالا طبيعيا) لا تلوثه المبيضات والمحسنات والإضافات المفتعلة وهو يأتي أولاً من الحلول الوظيفية والإنشائية والبيئية والاجتماعية التي تنعكس على الشكل المعماري وتمنحه جمالاً طبيعياً أخاذاً وليس جمالاً مصطنعاً. لابد أن يتفهم المعماريون قبل زبائنهم أن الجمال المعماري أكبر من مجرد زخارف وزينات وحلي فهذه جميعها إضافات وليست عناصر تكوينية من المبنى. وكما أن المكياج النسائي لا يمكن أن يجعل من القبيحة حسناء فكذلك الزخارف والتشكيلات الفنية في العمارة لا يمكن أن تجعل مبنى بدينا وقبيح الشكل مبنى ممشوق القوام فاتن الحسن، وإذا وجد مثل هذا المبنى (المحسوب على العمارة) فهو بلا شك يحتاج إلى اكثر من مكياج .. ربما الى ريجيم وتخسيس ثم عمليات تجميل شاملة شفط أكياس الدهون واستنبات الشعر المتساقط وإخفاء التجاعيد وتقويم الأسنان وشد البشرة وتصفيتها ...!!، ربما تصيبكم الدهشة من هذا الكلام ولكن واقع العمارة لدينا يجعل كثيرا من المباني الموجودة بحاجة ماسة لمثل هذه العمليات التجملية الباهظة التكاليف !!