تعيش بلادنا نهضة حضارية كبيرة ويعد مجال العمارة والعمران واحداً من أبرز مظاهر تلك النهضة ومع اختلاف الأذواق والثقافات تظهر صور جديدة وأنماط متباينة من المنشآت السكنية والتجارية تؤثر على البيئة البصرية للمدينة مما كان له الأثر في تلوث المدينة بصرياً وافتقادها للطابع الجمالي وهذا يؤدي في حالة استمراره إلى تراكم تلك السلبيات في أشكال المباني مما يفقد المباني الجميلة المجاورة لها جمالها ويخفي خصائصها المعمارية المميزة، فمثلا وجود مبنى واحد ذي تصميم سيىء بين عدد من المباني ذات التصميم الجيد يشكل للعين نوعاً من الامتعاض ويحس الرائي بحالة من النشاز مهما كان تدني درجة الوعي العمراني والمعماري لديه حيث يشكل ذلك المبنى السيئ مؤشراً سلبياً لمنظر تلك المباني وبالتالي الصورة العامة للمدينة. ويمثل التلوث البصري كل مايشاهد من أعمال إنشائية من صنع الإنسان تؤذي الناظر عند مشاهدتها ومع تكرارها ومرور الوقت على وجودها تفقد المشاهد الإحساس بالقيم الجمالية والصور الراقية للمنشآت فوجودها يشكل مادة ملوثة غير طبيعية تتنافر مع ماحولها عناصر أخرى، وترجع أسباب التلوث البصري عادة إلى الإهمال وسوء الاستخدام ورداءة التخطيط وهبوط المستوى الفني للتصميم إلى جانب دور السلوكيات الاجتماعية الخاطئة وتردي مستوى الذوق العام ويلعب الاقتصاد دوراً هاماً في بروز أو اختفاء التلوث البصري للمدن فنرى دائماً أن البلدان ذات الاقتصاد الضعيف والإمكانيات المادية المتواضعة تتزايد في مدنها ظاهرة التلوث البصري للمنشآت نتيجة لتلك الظروف إصافة إلى تردي الوعي الاجتماعي والثقافي لدى سكانها بعكس البلدان المتقدمة ذات الاقتصاد القوي نرى اختفاء التلوث البصري في مدنها لوجود قوانين وضوابط ملتزم بها من قبل سكان ذوي وعي اجتماعي وثقافي عال إصافة إلى ارتفاع مستوى الذوق العام لديهم. وتكمن خطورة التلوث البصري في ارتباطها بالدرجة الأولى بفقد الإحساس بالجمال وانهيار الاعتبارات الجمالية والرضا والقبول للصورة القبيحة وانتشارها حتى أصبحت بالمقياس المرئي للعين عرفاً وقانوناً موجوداً ويمكن رصد مصادر التلوث البصري ومظاهرها في شوارع وطرقات وأحياء المدينة من خلال بعض المظاهر الإنشائية التالية: - تباين أشكال المنشآت بين القديم والحديث في الموقع الواحد وبروز فارق تقنيات ومواد البناء بين منشأ وآخر يؤدي إلى نشاز واضح في التناغم التصميمي لها حيث إن التطور الهائل والسريع لمواد البناء وخصوصاً المواد المستخدمة في تغطية واجهات المباني كالزجاج والألمنيوم وغير ذلك من مواد التشطيب النهائي أدى إلى تباين في شكل المنشآت حتى لو كان الفارق الزمني بين انتهاء تشطيب المنشأين بسيط. - دور التكلفة المادية في تحديد مواد التشطيب النهائية التي تحدد الشكل العام للمنشأ فأحياناً يقف المالك حائلاً دون اعتماد مواد تشطيب معينة تضفي على المبنى شكلاً جميلاً ويفضل مواد أخرى أقل تكلفة وجمالاً قد تشوه المبنى وهنا يكمن دور المعماري المصمم في إقناع المالك باعتماد مواد تحقق للمبنى جماله ورقي تصميمه. - تنفيذ واجهات المبنى مخالفة للواجهات التي تم اعتمادها من قبل البلدية فيقدم المعماري المصمم مع المشروع منظور للواجهة الرئيسية مثلاً للاعتماد من قبل البلدية لكن عند التنفيذ يقوم المالك بتنفيذ واجهة مخالفة تماماً لما تم اعتماده سواء في الشكل أو الألوان دون دراسة مما يشوه المبنى ويؤثر على ما حوله من مبان. - غياب الجماليات في التصميمات الحديثة للواجهات وإعطاء المجال الأوسع لمواد البناء لإبراز واجهات المباني واعتماد المعماري المصمم على تلك المواد في إخراج واجهات المبنى دون بذل مجهود لإبراز جماليات المبنى المعمارية. - غياب الطابع العمراني والطابع المعماري المميز للمدينة يؤدي إلى فقدان الإحساس بالوحدة وبالقيم المشتركة بين المباني حيث إن الطابع هو حصيلة ملامح التشكيل الخارجي السائد في مكان ما بحيث يعطي له شخصية موحدة تميزه عن غيره من المباني. وتدعم قدرة المشاهد على إدراكه ومعرفة مصدره ومميزاته. - أدى القصور في تحقيق الاحتياجات والمتطلبات المعيشية داخل المساكن أو الوحدات السكنية إلى قيام السكان بإحراء إضافات وتعديلات على العناصر والفراغات الخارجية للمباني وتعديل واجهاتها سواء بالتغييرفي موضع الفتحات أو إغلاق البلكونات بمواد مختلفة غير مدروسة أو خلافه مما أدى إلى تشويه الطابع المعماري الأصلي لواجهات تلك المساكن أو العمارات. وللحد من التلوث البصري الذي يخدش جمال مدننا ويعطي للمشاهد صورة غير حقيقية لما نعيشه من نهضة حضارية عمرانية ومعمارية كبيرة لابد من أن يتعاون المعنيون من فئات المجتمع المختلفة وأصحاب العلاقة كي تظهر مدننا بمظهر حضاري مميز يعكس ما وصلنا إليه من رقي وتطور في جميع المجالات وأرى من وجهة نظري أن النقاط التالية قد تساعد في الحد من التلوث البصري للمدينة وهي كما يلي: - تشديد الرقابة من قبل البلديات على المقاولين والملاك بضرورة الالتزام بتنفيذ ماتم اعتماده من مخططات وواجهات وألوان فلقد تم اعتماده من قبل قسم الرخص بالبلديات بعد دراسة وتدقيق ومراعاة لعوامل معمارية وعمرانية عديدة. وإنه لايحق للمقاول أو المالك تغيير ما تم اعتماده إلا بعد مراجعة البلدية لأخذ موافقة أخرى على المقترح الجديد المزمع تنفيذه. - رفع المستوى الفني للمعماريين المسؤولين عن إجازة التصاميم المعمارية وخصوصاً تصاميم الواجهات وألوانها ومواد تشطيبها ودعم قسم فسوحات البناء بكفاءات معمارية متميزة علمياً وعملياً حيث إن ذلك ينعكس إيجابياً على مايقومون بإجازته من تصاميم. - إلزام مقاولي أعمال البناء أو الإصلاح أو الترميم بعمل واجهة مزيفة من البلاستيك المقوى أمام الواجهات المراد القيام بأعمال البناء أو الترميم لها بحيث تبعد مسافة ثلاثة أمتار من الواجهة الرئيسية مع رسم الشكل النهائي للواجهة بالألوان والظلال وجميع التفاصيل على الواجهة المزيفة وذلك للحفاظ على الشكل العام للمدينة ولحجب ما يراه المشاهد من شدات معدنية ومخلفات أعمال البناء ومنعاً للتلوث البصري من الظهور وتزال هذه الواجهة المزيفة بعد انتهاء العمل في المبنى. - لا بد من وضع تصور من ذوي الاختصاص الفني والاجتماعي والديني لتحديد الإطار العام للحرية الشخصية المعمارية والعمرانية لمالك المنشأة وبيان حدودها للعمل ضمن نطاق تلك الحدود وعدم تجاوزها حفاظاً على الذوق العام لتشكل المدينة وحفاظاً لحقوق المجاورين له وأن يتضمن ذلك التصور مدى الحرية المعطاة له لاختيار واجهات المبنى وألوانها والفتحات والأعمال الجديدة التي تظهر فوق سطح المبنى ويمكن مشاهدتها من الخارج وأمام بيته من مظلات للسيارات ورصيف للمشاة وزراعة تجميلية إضافة إلى تحديد شكل ومادة وارتفاع الحواجز فوق الأسوار الخارجية والاسوار الفاصلة بين الوحدات السكنية والتي توضع عادة لحجب النظر لمن هم داخل فناء الوحدة السكنية حيث إن هذا التصور يحد من ظاهرة التلوث البصري أسوة بالبلدان المتقدمة والتي لا يحق لصاحب المنزل بها القيام بأي عمل يظهر للعيان من خارج منزله إلا ضمن العديد من الشروط والتعليمات والضوابط.