الكتابة ليست حالة طارئة تولد من هباء، بل هي ضرورة علمية ومنهجية وحياتية وفنية وادبية، وحاجة مستمرة تمثل متطلبات اللحظة والحياة القاسية والروح الظامئة، الكتابة تحتاج الى قدرات والى استعدادات والى امكانيات فهي سجل الحياة، وحين نكتب فنحن نكتب لمن يعشق الكلمة ولمن يفهم الحرف ولمن يترجم الاحساس ولمن يعيد المعنى الى اصله، نحن نكتب للحياة لتسمع اوجاعنا واحلامنا والامنا، هي انعكاس للفكر وترجمة للتفكير المخفي، واللغة بعلومها المختلفة من نحو وصرف وبلاغة وما يتصل بها مكونا قاعدة اساسية وعامة تتعلق بولادتها اما علاقة الكتابة بالذاكرة فالاغتراف من مخزون الذاكرة لا عنه له لمن اراد الخروج عن المألوف والتجديد ومحتوى الكتابة يرتبط ارتباطا وثيقا بالافكار والمشاعر المخزنة في لحظة انبثاق الكلمة والحرف فالكتابة مقياس للنضج والوعي بالزمن ولا يتعدى كونه مخاضات وجهود ذهنية وانشطة عقلية ترسبت في النفس والذاكرة ثم تيقظت احيانا نهرب من قسوة الواقع بالكتابة عن مالم يكن وعن ما نود ان يكون فنهرب من عالم واهم محموم باسقام فادحة وصراعات العصر الباكية، احيانا لنكون نقطة اتصال ساخنة بيننا وبين عالم صامت، واحيانا لنسبر اغوار النفس الانسانية الخامدة لنفجر بركانا كان لابد ان ينفجر ربما تأخذنا الدنيا ككاتبين بأي حجم كان بحجم البحر او قطرة الندى، واحيانا نكتب كمكتوبين لكن ليس في كل الاحوال، الكتابة قد تمثل تعويضا لاشياء نفتقدها في الحياة كمسلمات معنوية فانية كالصدق والوفاء والاخاء والاخلاص والامان، وعندما نسأل عن موقع الكتابة نراها موجودة ولكنها تحتاج الى مثيرات عاصفة مدمرة للسكون سكون الحرف والكلمة والجملة والنص النائم، والكتابة بلا هدف ليست كتابة اذا لم يكن هدف الكتابة ساميا كالارتقاء بالفكر الى افضل ما يكون والاتجاه بها الى مرسى صحيح، وعندما نتكلم عن اراء المجالات والعلوم بالكتابة فانا اكتفي برأي (علم النفس) بما انه في نطاق اختصاصي الاكاديمي واترك باقي الاراء الى اصحاب الاختصاص. يرى علم النفس ان الكتابة تنفيس عن اللاشعور وذلك عن طريق "ميكانيزم" الاسقاط في عملية التعبير الكتابي ويستند علم النفس الى منهج التحليل النفسي في فهم القلق ومشاعر الذنب وديناميات الكبت والاسقاط والتوحد والاعلاء والتكيف وهذه الميكانيكيات تتضح عن طريق التعبير الكتابي، والكتابة قد تكون استجابة لازمة ناتجة عن ضغط نفسي وعن استراتيجيات التوافق واضطرابات موقفية اجتماعية، وهناك دراسات حديثة اكدت ان هناك علاقة بين الابداع الكتابي وبين التوتر النفسي فكلما زاد التوتر زاد الابداع، فالانفعالات تؤثر في افكار الفرد ومشاعره الوجدانية واليأس والندم والشعور بالذنب والعدوان والتعاسة والخضوع والغضب والاحباط والحب والصداقة ويؤكد علماء النفس على تأثير النضج والتعلم في ارتقاء الكتابة وتمايزها. ويرى العالم النفسي (فروم) ان اكثر الافراد اغترابا هم اولئك الذين تعلموا التفكير في المشاعر ولم يتعلموا ممارسة عملية الشعور ذاته، وهذا يؤكد ان الكتابة تعبر عن مالم يكن (التعويض) ويرى كثير من علماء النفس ان كبت المشاعر والتعبير عنها بلون فني يساهم في انتاج ابداعي ويعتبر العالم النفسي (جليفورد) رائد العلماء الذين حاولوا تحديد القدرات العقلية الابتكارية (الكتابة) في ضوء ما يسمى بالتفكير المنطلق يرى ان الابتكار تنظيمات او تكوينات مؤلفة من عدد من القدرات العقلية البسيطة ومن اهم هذه القدرات الطلاقة الفكرية، المرونة، التلقائية، الاصالة، الحساسية بالمشكلات. ويرى علماء النفس ان هناك علاقة مباشرة بين الكتابة وبين ذكاء الفرد وسمات شخصيته التي تميز كتابته عن الاخرين وتعطيه انطباعا فريدا يعرف به. ويروا ايضا ان الكتابة نتيجة تفاعل مستمر بين الفرد وبيئته ومن هنا نؤكد ارتباط كثير من الشعراء باحداث واحوال واخبار بيئتهم. @@ احلام احمد الدبيسي @ من المحرر نقدر تفاعلك مع المحور وكذلك جهدك الفاعل والواعي في البحث.