أطالع في بعض الصحف من حين لآخر نقدا لاذعا لكاتب من كتاب الصحيفة لكاتب آخر زميل له يكتب في نفس الصفحة, فيرد الكاتب الذي تعرض للنقد بهجوم شرس ويستمر الصراع على مدار أسابيع او أيام الى ان يستجد جديد, فيقرب وجهات النظر او ينأى احدهما بنفسه عن السقوط العبثي في تجريح الآخر واتهامه بالجهل أو قصور الفكر والنظرة وسوء الفهم. ولا أدري لماذا يسقط البعض فريسة في هذه الهوة السحيقة التي لن ينجو منها ويسمح لنفسه بحق التجريح أو التشويه لزميل له على صفحات نفس الجريدة أو صفحات جريدة أخرى, فاذا كان يهدف بهذا الى النقد البناء فيمكنه الاتصال بزميله تليفونيا او من خلال موقعه على الانترنت او بأي أسلوب آخر من الأساليب الشرعية, ويبثه وجهة نظره ويسمع منه فربما كانت للآخر وجهة نظر ما فيما كتب لم يستوعبها وان يوصل له فكرة معينة تزيد من ثراء موضوعه, وبهذا ينتهي الأمر بحسن النوايا والشكر اللطيف على النصيحة, اما ان ينبري له بقلمه اللاذع للتجريح او التشويه المتعمد بذكر اسم الزميل تصريحا او بذكره تلميحا فان هذا الأسلوب من الحوار لا يليق بأسماء صحفية لها اسمها وسمعتها وشهرتها, وليترك هذا الأمر لصغار الكتاب ممن يبحثون عن الشهرة على حساب الآخرين, وليترفع عن الصغائر لانه لن يسلم من رد فعل أكثر شدة, وهو بهذا يسيء الى قلمه ونفسه لأنه سمح لنفسه بالسقوط من برجه الذي يتحصن به. ومن المؤسف ان البعض قد لا يستوعبون فكرة معينة طرأت في طرح زميل كاتب, فربما كانت هذه الفكرة ضمنية للتدليل او كانت ايحائية للتبرير, او كانت مخفية وتحتاج الى تحليل, أو ربما لظروف النشر تم اقتطاع جزء من الرسالة فظهرت ناقصة, وبالتالي يفشل في استخراج المفهوم الحقيقي لما نشر وينبري لها بالنقد ظنا منه انه قادر على فهم ما تنطوي عليه الرسالة, او انه أقدر فهما وتحليلا للأمور من الكاتب نفسه وهذا هو الخطأ الفادح الذي لا يمكن تداركه, لأنه لا ينبغي ان يتوقع البعض غباء الآخرين, او قصور نظرتهم او ضحالة فكرهم, فلكل كاتب فكره وفلسفته وأسلوبه في الحوار وقدرته على الإقناع, وحرية التعبير عن الرأي مكفولة ولكنها لا ينبغي ان تتحول الى سيف بتار يقطع أواصر الألفة والمحبة بين الزملاء, ولكن هناك قنوات شرعية يمكن من خلالها بث وجهات النظر بأسلوب حضاري لا يسيء للآخر بل يشعره بالاحترام المتبادل والحرص على اقامة علاقات سوية. ومن أكثر الأمور أسفا ان هذا الأسلوب من الحوار يتدنى الى الدرك الأسفل من درجات التدني في وسائل الإعلام المرئية حينما يسب أحد الضيوف في برنامج ما الآخر وينعته بصفات توقعه تحت طائلة القانون, ومنذ يومين اثنين شاهدت مواجهة بين ضيفين في برنامج على احدى القنوات الفضائية, كانت سجالا في علو الصوت والسباب والتجريح المباشر والمعارك الكلامية التي أساء فيها كل منهما الى الآخر ولم يبق شيء بعد هذا سوى الاشتباك بالأيدي, فأي نوع هذا من الحوار وأي قيمة فيه, وأي فائدة نجنيها حينما يسىء البعض للآخر ويجرح البعض الآخر ويتهكم البعض على الآخر؟ مزيدا من ضبط النفس ومراعاة لحرمة الناس, وحرصا على اقامة علاقات قوية, فهذا الأسلوب من الحوار لن يخلق سوى البغضاء والفرقة والضعف.