في أي من جولاتك داخل مدننا في الشوارع الرئيسية أو الفرعية ستصطدم عيناك بلوحات مضاءة تحمل أسماء لنشاطات تجارية وصناعية ومهنية وحرفية منثورة بشكل عشوائي لا يجمع بينها رابط ولا ينسقها نظام فهي مثل النبت البري لا تحتاج الى سقاية أو رعاية. فهنا ورشة إلكترونيات وبجانبها خدمات وصيانة وبجوارها خياط نسائي وفي المقابل بقالة ويلاصقها مطعم وملحق به مخبز وفوال وبعده خدمات وصيانة يليه حلاق تداخلات حكمتها حالة الإرباك المتسارع التي فرضتها وتيرة التنمية فتحول الزقاق الى شارع والبيت الى عمارة وأصبح الجميع يركض بلهاث لمواكبة زحف الطفرة دون التمحيص في خطواته التي تشبه التنطيط فلم يعد يستطيع وزن قراراته واتجاهاته فصار يتقبل أي عرض يطرح دون تعمق أو بحث نتائجه والمردود العائد والأثر المترتب عليه. فاستنبتت هذه المحلات في غمرة الانهماك بتدفق المشروعات وكانت هناك فئة من ضعاف النفوس استغلت الوضع بالنظر الى النشاط التجاري من أضيق زواياه وتسلل من خلالهم صيادو الفرص من العمالة الوافدة لتجد لنفسها موقعا تمارس فيه عمليات تجارية غير مسموح لهم بها ولكن متستر عليهم من تلك الفئة التي لا تستوعب تبعات ما أقدموا عليه في حق الوطن. باستنزاف خيرات هذا البلد وتسريب السيولة من دخلنا القومي مكتفين بفتات يعتبرونه فهلوة ستدخلهم عالم التجارة متجاهلين ارتدادات مثل هذا التصرف على الاقتصاد حيث أن مثل هذه النوعية تبحث عن المكسب السريع بأي طريقة تتاح لهم بضاعة فاسدة أو منتهية الصلاحية أو مغشوشة أو مهربة أو مسروقة أو مقلدة فسيكونون لها منافذ للتوزيع والتسويق والترويج لها. فما نشرت مؤخرا بضبط عمالة وافدة بحوزتها 85 كيلو غراما من الذهب المغشوش أي أن قيمتها تقارب 400 ألف ريال لهو دليل على أنهم يعملون لمصلحتهم الشخصية فقط غير عابئين بسلوكيات المهنة وحق الأمانة لمن آواهم ولكن هذا فيض من غيض. وما تعلنه الجهات الرقابية باستمرار عن ضبط قطع غيار مغشوشة ومواد تنظيف وزيوت ومواد غذائية لك أن تتصور ما تخلفه من بلبلة في الأفكار نحو معرفة الجيد من الردئ مما يؤثر على منتجاتنا الوطنية ويبث روح المنافسة غير الشريفة والتي من المؤكد أنها ستكبد الجادين من مصانعنا مصروفات إضافية لتأكيد جودتها بالإعلان والدعاية والملاحقة لكل زائف. فكل هذه الجهود تهدر بأسباب تجني وحماقة وأخطاء يرتكبها مخالفون أستمرأوا التستر على أوضاع العمالة التي شكلت ندبا في وجه اقتصادنا السعودي وتركت آثارا اجتماعية وغيرت من سلوكيات المجتمع لانتشارها وتشعبها في كل المجالات المرتبطة بالجمهور من بقالات وورش وخدمات وهذه تشكل في مجموعها نسبة لا يستهان بها من الأنشطة التجارية. وهذا أفرز لنا ظاهرة محلات كل شئ بعشرة وخمسة وريالين وهي تزخر بكل الأصناف التي تحيرك في ماركاتها فهي تخلو من الجودة فمعظمها مقلد أو ردئ في مواصفاته فنستطيع أن ندخلها في خانة الغش التجاري. ولا أعتقد أننا نستطيع أن نقول انها غابت عن أعين الرقيب أو انها بضائع مهربة لأن كمياتها والمساحات المعروضة فيها وتعدد متاجرها تؤكد أنها تحت مظلة الأنظمة. ومجال استغرابي هو نوعية البضائع وأسعارها خاصة العطور والساعات والملابس الجاهزة والأحذية فهي لا تتجاوز 10 % من قيمة البضاعة الأصلية وهذا تأكيد على رداءتها وإصرارنا على تسويقها فيه هدر غير منظور لجزئية مهمة في اقتصادنا والأستثمار فيها يعني مغالطتنا أنفسنا بما اقتنعنا برداءته. فهنا يتبادر للأذهان سؤال حول الجدوى الحقيقية من مثل هذه الاستثمارات والمنفعة الفعلية من عمليات التستر التي تمارس في أسواقنا ما دامت آثارها برزت بشكل واضح وهو أن الوافد يمارس التجارة ويصرف لكفيله السعودي راتبا شهريا مقطوعا هل هذا ما نصبوا إليه من الانفتاح والتجارة الحرة لايجاد روح المبادرات التنافسية الشريفة وتحفيز رأس المال ليضخ في الشريان الاقتصادي دماء جديدة تفعل دورة النماء والازدهار لدخلنا القومي عشم أن يكون التصحيح هدفا منشودا.