في أن حكام أنقرة الجدد لا يكنون ودا للنظام العراقي حسبما صرح بذلك رئيس الوزراء التركي عبد الله غل نفسه مؤخرا، وزاد بوصفه هذا النظام بالمتسلط الذي لا يتردد في فرض المعاناة على شعبه. ولكن ما الذي يدفع تركيا للقيام بهذه الجهود المحمومة لحماية العراق؟ تحاول تركيا تفادي وقوع الحرب لما تحمله من عواقب ضارة بالجمهورية العلمانية على أكثر من صعيد. وبما أن أنقرة تدرك أنها لا تستطيع منع واشنطن من تنفيذ خططها لضرب العراق فهي تحاول إما منع بغداد من تسهيل وقوع الحرب، وإما ضمان تعويضات من الولاياتالمتحدة عن الخسائر التركية المتوقعة. وتأتي الجولة التي يقوم بها رئيس الوزراء التركي في منطقة الشرق الأوسط في هذا الإطار، وتحديدا في الشق الخاص بالدور العراقي، إذ يبحث غل مع الأطراف المؤثرة في المنطقة سبل تجنب الحرب ومحاولة إيجاد حل سلمي لأزمة الولاياتالمتحدة مع العراق. وتشمل الزيارة كلا من سوريا ومصر والأردن والسعودية وإيران. ويأتي غل إلى المنطقة بعدما أجرى يوم 27 ديسمبر الماضي محادثات في أنقرة مع نائب وزير الخزانة الأميركي جون تايلور ونائب وزير الخارجية مارك غروسمان تناولت الدعم المادي الأميركي لتركيا مقابل مشاركتها في الحرب المحتملة على العراق وطبيعة الدعم الذي ستقدمه تركيا في هذه الحرب. المخاوف السياسية إن أكثر ما تخشاه تركيا من الحرب على الصعيدين السياسي والاجتماعي هو أن تؤدي إلى قيام دولة كردية شمالي العراق، وهي تخشى انعكاس ذلك على مواطنيها الأكراد القاطنين في منطقة جنوب شرق الأناضول والتهاب النعرة القومية لديهم. وإذا وقعت منطقة كركوك المأهولة بأكثرية تركمانية والغنية بالثروة النفطية تحت سيطرة الأكراد فستقوى شوكة المجموعات الكردية إلى درجة شروع أكراد تركيا بالمطالبة أولا بالفدرالية ثم يلي ذلك انفصال المنطقة تماما عن تركيا وتأسيس دولة كردستان الكبرى التي يحلم بها الزعماء الأكراد مهما نفوا ذلك. وقد أكد رئيس الوزراء التركي في تصريحات له مؤخرا أن أنقرة يمكن أن تتدخل عسكريا في شمال العراق -الخارج عن سيطرة بغداد منذ عام 1991- إذا استغل الفصيلان الكرديان اللذان يسيطران عليه الحرب الأميركية لفرض سيادتهما على مدينتي كركوك والموصل الغنيتين بالنفط. وقال بهذا الخصوص: لدينا حضور في الشمال وسنقوم بما يتعين علينا القيام به. الخسائر المتوقعة يرجح المحللون أن تكون الخسائر الاقتصادية التي ستعانيها تركيا من جراء الحرب المحتملة أكثر من تلك التي عانتها في حرب الخليج الثانية والتي قدرت بنحو مائة مليار دولار. وتوقع هؤلاء أن تبلغ خسائر تركيا من هذه الحرب 150 مليار دولار على مدى 12 عاما مقبلة، فضلا عن التأثيرات الجانبية مثل ارتفاع أسعار النفط وإصابة قطاع السياحة بالشلل وهروب رؤوس الأموال من البلاد. من جهة أخرى تخشى تركيا أن تشارك الأميركيين في عملية ترفضها الغالبية العظمى من الشعب التركي، وأن تتحول في نظر مسلمي الشرق الأوسط إلى دولة تعمل لحساب الغرب. ويعارض حوالي تسعة أعشار الأتراك -أي ما نسبته 87%- الحرب على العراق, وذلك في استطلاع للرأي نشرته صحيفة (تركيش ديلي نيوز) الصادرة باللغة الإنجليزية في اليوم الثاني من الشهر الجاري. هذا فضلا عن أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يريد المحافظة على الغالبية الإسلامية التي حملته إلى دفة الحكم.