سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان عن معنى قوله تعالى في سورة النور: (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم)؟ فأجاب فضيلته: * (الله نور السماوات والارض) ذكر العلماء رحمهم الله ان الله سبحانه وتعالى نور السماوات والارض الحسي والمعنوي، وذلك بانه تعالى بنفسه نور، وحجابه نور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه، وبه استنار العرش والكرسي والشمس والقمر، وبه استنارت الجنة. وكذلك هو نور السماوات والارض النور المعنوي فنور السماوات والارض المعنوي يرجع الى الله تعالى فكتابه نور، وشرعه نور، والايمان به والمعرفة به في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات، ولهذا كل محل يفقد نوره فثم الظلمة والحسرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه المشهور: (أعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات). (مثل نوره) الذي يهدي إليه وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين (كمشكاة) أي: كوة فيها مصباح، لان الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق، ذلك المصباح في زجاجة، الزجاجة من صفائها وبهائها (كأنها كوكب دري) أي: كوكب مضيء اضاءة الدر (يوقد) ذلك المصباح الذي في تلك الزجاجة الدرية، (من شجرة مباركة زيتونة) أي: يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من انور ما يكون (لا شرقية) فقط فلا تصيبها الشمس آخر النهار (ولا غربية) فقط فلا تصيبها الشمس اول النهار، واذا انتفى عنها الامران كانت متوسطة من الارض كزيتون الشام تصيبه الشمس اول النهار وآخره فيحسن ويطيب، ويكون اصفى لزيتها، ولهذا قال: (يكاد زيتها يضيء) أي: من صفائه يضيء (ولو لم تمسسه نار) فإذا مسته النار اضاء اضاءة بليغة (نور على نور) أي: نور النار ونور الزيت. ووجه هذا المثل الذي ضربه الله وتطبيقه على حالة المؤمن ونور الله في قلبه ان فطرته التي فطر عليها بمنزلة الزيت الصافي، ففطرته صافية مستعدة للتعاليم الالهية والعمل المشروع، فاذا وصل اليه العلم والايمان اشتعل ذلك النور في قلبه بمنزلة اشعال النار فتيلة ذلك المصباح، وهو صافي القلب من سوء القصد ومن سوء الفهم عن الله، اذا وصل اليه الايمان اضاء اضاءة عظيمة لصفائه من الكدرات، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية فيتجمع له نور الفطرة ونور الايمان ونور العلم وصفاء المعرفة (نور على نور) ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كل احد يصلح له ذلك قال: (يهدي الله لنوره من يشاء) ممن يعلم زكاؤه وفطرته وطهارته، وانه يزكو معه وينمو هداه (ويضرب الله الامثال للناس) ليعقلوا عنه، ويفهموا لطفا منه سبحانه وتعالى (والله بكل شيء عليم) والله أعلم.