تركيا التي لا نفهم! كنا نتوقع أن تركيا في طور التحول إلى قوة إقليمية كبرى، تتحلى بروح وفكر ومواقف الدول الكبرى، في سلوكها وتحالفاتها وقدرتها على اللعب في ميدان الكبار، ولكن يبدو أنها تفكر بالأمر الكبير، وتتصرف بأدوات اللاعب الصغير!. ثمة مؤشرات نلمسها من سلوكها الأخير مع مصر، فقد وضعت كل بيضها في سلة الحزب ونسيت الدولة. قطع العلاقات بين مصر وتركيا، لم يكن مستبعدا، فتركيا أخذت موقفا متشددا من عزل الرئيس مرسي، وبدا هذا الموقف المتصلب غريبا للمتطلعين إلى تركيا القوية العاقلة، وحتى عندما تراخت تركيا في موقفها من الثورة السورية وأصبحت لاعبا احتياطيا، هناك من قدر لتركيا ضعف موقفها هذا أمام إيران وروسيا، فمن حقها أن تضع مصالحها الحيوية واعتباراتها الأمنية والقومية وحاجتها للطاقة مقدمة على الثورة السورية، فالمصالح تقدم أحيانا على الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية، لكن الذي لم نفهمه هو الموقف المتشدد من عزل الرئيس المصري مرسي. هل هذا يكشف عدم اكتمال الاحترافية وضيق الأفق في السياسة الخارجية التركية، وتعثرا في مشروع تركيا العظمى، كما عرضه أحمد داوود أوغلو في كتابه الكبير المهم «العمق الاستراتيجي»؟. هل يعني أن الحكومة التركية غير قادرة على كسب ثقة الفاعلين الرئيسيين في المنطقة، مثل مصر، عندما استحضرت الأيديولوجيا لتكون المسير لمصالح تركيا، وليس قدرتها على النفاذ في ظروف السياسة باحترافية كما كان يخطط ويحاضر أحمد أوغلو؟، وهل تركيا لم تخرج من عقدة التفوق على العرب؟، هل هناك من تساءل باحتقار: من هؤلاء؟. النخبة في العالم العربي تقديرها وإعجابها يتنامى في قدرة تركيا على التحول إلى دولة مستقرة سياسيا ومتفوقة اقتصاديا، وثمة تقدير أيضاً لمساعيها السلمية التصالحية مع جيرانها ومع الأكراد؛ تحقيقا لمبادئ سياستها الخارجية التي تقوم على إنهاء الخلافات (تصفير المشاكل). هذا التوجه كان الحافز لنخب المستثمرين ورجال الأعمال في العالم العربي، بالذات في الخليج، لضخ استثمارات كبيرة في تركيا، فهؤلاء لديهم ثقة في مستقبلها، وتوتر الأوضاع في المنطقة يوجد فرصة لتركيا لكسب المستثمرين الصغار قبل الكبار، ومثل هذا التحول يحقق على الواقع تطلعات الساسة الأتراك إلى «الجغرافيا الاقتصادية» مع دول الخليج بعد انجلاء الأوضاع في سوريا ورحيل الأسد. إذن ثمة مؤشرات إيجابية عديدة تدعم النمو الكبير في العلاقات العربية التركية، وتركيا هي المستفيد الأكبر من نمو وازدهار العلاقة، وهذه الميزة النسبية لتركيا هي التي تجعلنا نحتار في فهم السلوك التركي المتشدد من عزل الرئيس مرسي، والسؤال: من أكبر وأبقى مصر.. أم الحزب؟. هل من طريقة موضوعية مبسطة تجعلنا نفهم السلوك التركي، حتى نبقى نقدم حسن الظن؟!