يواجه العقل الأمريكي بعد اندلاع الحرب مع العراق معضلتين أساسيتين: الاولى تقوم على التساؤل متى وأين سيستعمل صدام حسين ما خبأه من أسلحة كيمياوية وبيولوجية لتوجيه ضربة للقوات المهاجمة؟ فلا ننسى أن الأمريكيين مازالوا يعتقدون اعتقادا جازما أن تلك الاسلحة موجودة لدى العراقيين، وهم ليسوا الوحيدين في هذا الاعتقاد، فالبريطانيون وحتى من يعارضون الحرب مثل الفرنسيين والروس والصينيين، لم يعارضوا استمرار التفتيش على تلك الأسلحة بل انهم طالبوا ويطالبون إلى الآن بالتمديد في الرخصة المعطاة للمفتشين الدوليين حتى يتمكنوا من القيام بشغلهم، ومن ثم، يتعين ان نستنتج أن جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين متفقون على هذه المسألة، ولولا ذلك، لما كان ثمة أي معنى للخلاف بين مستعجلين بانهاء المسألة بطريقة راديكالية (الولاياتالمتحدة وبريطانيا)، ومطالبين بالامهال ريثما يقع التوصل إلى تدمير الأسلحة عن طريق لجنة التفتيش. وأما المعضلة الثانية التي تواجه العقل الامريكي، فهي تقوم على التساؤل: ماذا لو لم نجد لدى العراق أية أسلحة للدمار الشامل؟ الا تكون هذه الحرب خطأ اذن؟ وهذا ما سيلحق الضرر الكبير بمخططات بوش وادارته على المدى المنظور في الداخل والخارج. ففي الحالة الاولى يتمنى البعض ان يستعمل صدام ما يعتقدونه بحوزته من اسلحة دمار شامل حتى يقال في النهاية: لقد كان الرئيس بوش على حق عندما أمر بالحرب، في هذا السياق، تقول (نيوزويك) مثلا انه اذا قرر صدام استعمال تلك الاسلحة ضد القوات البريطانية والامريكية، فانه سيتجاوز بذلك عتبة سيكولوجية شديدة الأهمية، حيث انه لن يتمكن بعد ذلك ابدا من خلط الاوراق وتقسيم الصفوف والزعم للرأي العام العالمي بانه لم يعد لديه شيء مما يتهمونه به، أي أنه باستعماله الاسلحة الممنوعة سيقدم بنفسه المبرر الأهم للغزو. وهناك جوانب أخرى تجعل هذا الاحتمال رهيبا، فالامريكيون يعتقدون ان صدام لم يعد لديه اوراق اخرى يلعبها لانقاذ حكمه، في الوقت الذي توغلت فيه القوات الامريكية - البريطانية داخل الاراضي العراقية، وسيطرت على بعض النقاط الهامة، وقد كان هناك من تصور ان الحكومة العراقية ستبادر إلى صد الهجوم قبل ان يقع عن طريق ضرب القواعد الامريكية في الكويت بالأسلحة الممنوعة بيد ان ذلك لم يحدث. ورأينا الجنرال تومي فرانكس يوم السبت 22 الجاري في مؤتمره الصحفي بقطر يقول:(البحث عن أسلحة الدمار الشامل يبقى من بين الاهداف الثمانية للحرب) حيث امطره الصحفيون بوابل من الاسئلة حول هذا الموضوع، وكان السيد آري فليشر، الناطق باسم البيت الابيض قد اكد قبل يوم واحد نفس الاطروحة مضيفا ان البحث عن اسلحة الدمار الشامل هو من بين الاسباب التي تبرر وجود كل اولئك المراسلين الصحفيين على الميدان مع العسكريين، وأما الرئيس بوش، فهو في حديثه الاذاعي الاسبوعي يوم السبت الماضي، أعاد التأكيد على ان (مهمتنا واضحة ، وهي نزع اسلحة الدمار الشامل، وانهاء الدعم الذي يقدمه صدام حسين للارهاب وتحرير الشعب العراقي) وفي نفس السياق يؤكد بعض الملاحظين الامريكيين انه من المهم جدا بالنسبة للاهداف السياسية التي سطرتها ادارة بوش ان تجد هذه الأخيرة حججا ذات مصداقية عن وجود اسلحة ممنوعة لدى العراقيين. ومن الواضح ان هناك سباقا ضد الوقت، فكلما طالت الحرب دون العثور على تلك الحجج، كان ذلك سيئا جدا للادارة الأمريكية، لأنه في الوقت نفسه، قد يتساقط القتلى بالمئات وربما بالآلاف، وقد يصاب العديد من المدنيين، وقد يكره الرأي العام المشاهد التي ينقلها التليفزيون عن الحرب، وقد يغدو الضغط كبيرا في واشنطن.