يواجه العقل الأمريكي بعد اندلاع الحرب مع العراق معضلتين أساسيتين: الاولى تقوم على التساؤل متى وأين سيستعمل صدام حسين ما خبأه من أسلحة كيماوية وبيولوجية لتوجيه ضربة للقوات المهاجمة؟ فلا ننسى أن الأمريكيين مازالوا يعتقدون اعتقادا جازما بأن تلك الأسلحة موجودة لدى العراقيين. وهم ليسوا الوحيدين في استمرار التفتيش على تلك الأسلحة، بل انهم طالبوا ويطالبون الى الآن بالتمديد في الرخصة المعطاة للمفتشين الدوليين حتى يتمكنوا من القيام بشغلهم. ومن ثم يتعين أن نستنتج أن جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين متفقون على هذه المسألة. ولولا ذلك لما كان ثمة أي معنى للخلاف بين مستعجلين بإنهاء المسألة بطريقة راديكالية (الولاياتالمتحدة وبريطانيا)، ومطالبين بالامهال ريثما يقع التوصل الى تدمير الأسلحة عن طريق لجنة التفتيش. وأما المعضلة الثانية التي تواجه العقل الأمريكي، فهي تقوم على التساؤل: ماذا لو لم نجد لدى العراق أية أسلحة للدمار الشامل؟ ألا تكون هذه الحرب خطأ اذن؟ وهذا ما سيلحق الضرر الكبير بمخططات بوش وادارته على المدى المنظور في الداخل والخارج. ففي الحالة الأولى، يكاد البعض يتمنى أن يستعمل صدام ما يعتقدونه بحوزته من أسلحة دمار شامل ضده، حتى يقال في النهاية: لقد كان الرئيس بوش على حق عندما أمر بالحرب. في هذا السياق، تقول (نيوزويك) مثلا انه اذا قرر صدام استعمال تلك الأسلحة ضد القوات البريطانية والأمريكية، فإنه سيتجاوز بذلك عتبة سيكولوجية شديدة الأهمية، حيث انه لن يتمكن بعد ذلك ابدا من خلط الأوراق وتقسيم الصفوف والزعم للرأي العام العالمي بأنه لم يعد لديه شيء مما يتهمونه به، أي أنه باستعماله الاسلحة الممنوعة سيقدم بنفسه المبرر الأهم للغزو. وهناك جوانب أخرى تجعل هذا الاحتمال رهيبا. فالأمريكيون يعتقدون أن صدام لم تعد لديه أوراق اخرى يلعبها لإنقاذ حكمه، في الوقت الذي توغلت فيه القوات الامريكية البريطانية داخل الاراضي العراقية، وسيطرت على بعض النقاط الهامة. وقد كان هناك تصور بأن الحكومة العراقية ستبادر الى صد الهجوم قبل أن يقع عن طريق ضرب القواعد الأمريكية في الكويت بالأسلحة الممنوعة. بيد ان ذلك لم يحدث. ورأينا الجنرال تومي فرانكس يوم السبت 22 الجاري في مؤتمره الصحفي بقطر يقول: البحث عن أسلحة الدمار الشامل يبقى من بين الأهداف الثمانية للحرب، حيث أمطره الصحفيون بوابل من الأسئلة حول هذا الموضوع. وكان آري فليشر، الناطق باسم البيت الأبيض، أكد قبل يوم واحد نفس الاطروحة مضيفا ان البحث عن اسلحة الدمار الشامل هو من بين الاسباب التي تبرر وجود كل أولئك المراسلين الصحفيين على الميدان مع العسكريين. وأما الرئيس بوش، ففي حديثه الاذاعي الاسبوعي يوم السبت الماضي، اعاد التأكيد على أن مهمتنا واضحة، وهي نزع أسلحة الدمار الشامل، وانهاء الدعم الذي يقدمه صدام حسين للارهاب، وتحرير الشعب العراقي. وفي نفس السياق يؤكد بعض الملاحظين الامريكيين أنه من المهم جدا بالنسبة للأهداف السياسية التي سطرتها ادارة بوش أن تجد هذه الأخيرة حججا ذات مصداقية عن وجود أسلحة ممنوعة لدى العراقيين. ومن الواضح أن هناك سباقا ضد الوقت. فكلما طالت الحرب دون العثور على تلك الحجج، كان ذلك سيئا جدا للادارة الامريكية، لأنه في الوقت نفسه قد يتساقط القتلى بالمئات وربما الآلاف، وقد يصاب العديد من المدنيين، وقد يكره الرأي العام المشاهد التي ينقلها التليفزيون عن الحرب، وقد يغدو الضغط كبيرا في واشنطن. في نفس الوقت يقع التذكير بذلك التحذير الشهير الذي وجهته الادارة الامريكية للعراق في شهر ديسمبر (كانون الاول) الماضي، والقائل: ان كل الخيارات ستكون محتملة للرد على أي ضربة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية ضد القوات الأمريكية وحلفائها. ويعني هذا الكلام المنشور والمعلن أن ادارة بوش لن تستبعد الرد بضربة نووية. ولكنني أعتقد أن هذا الاعلان هو من قبيل الحرب النفسية. وهو من نفس نوع تلك الرسائل التي وجهت الى الضباط العراقيين لتحذرهم من أن كل من ينفذ أمرا يتعلق باستعمال اسلحة دمار شامل، فإنه مقبل على مواجهة تهمة (تنفيذ جريمة حرب). وباعتبار هذه التداعيات التي يؤدي اليها الاحتمال الأول (اي وجود اسلحة ممنوعة واستعمالها)، والذي تبدو عواقبه خطيرة بالنسبة للطرفين، يبدو الاحتمال الثاني هينا بالمقارنة. فماذا لو لم تكن هناك فعلا أية أسلحة ممنوعة مخبأة لدى العراقيين؟ العديد من الامريكيين قد يستنتجون آنذاك ان هذه الحرب كانت اذا خطأ بكل المقاييس. وهذا ما سيقوي جانب النشيطين ضد الحرب في اوروبا وامريكا. لذلك فإن الولاياتالمتحدة ستحاول استعمال كل ما لديها من حيل وقوة لحسم الحرب بأسرع وقت ممكن. وقد ذهب الأمريكيون الى بعيد الآن، وكذلك فعل النظام العراقي بحيث لم يعد بالامكان التوقف أو التراجع أو العودة الى وضع سابق. ان الأيام لا بل الساعات القادمة ستكون حاسمة. هشام القروي