اظهر استبيان ومقياس اجراه موقع "اسلام او لاين" يقوم من خلاله المستخدم بالإجابة على 26 سؤالا، بعضها يحدد مدى إدمانه للإنترنت، وبعضها يعطي مؤشرات عن تأثيرات الإنترنت على حياته، وشارك في هذا المقياس 8177 مشاركا من مختلف دول العالم، كان غالبيتهم من العالم العربي. ويبدو أن وعود المستقبل والرغبة في دخول عالم الإنترنت، دفعتنا-ولا تزال تدفعنا- إلى فقدان السيطرة على حاضرنا؛ لنجد أنفسنا أمام تغيرات لم نكن نحسب لها حسابًا؛ فقد بدأ هذا العالم المتخيل يغزو عالمنا الحقيقي، حتى شهدنا مفاهيم جديدة يقترن فيها ما هو تقني بما هو إنساني؛ فهل من المستغرب بعد ذلك أن نجد أمراضًا تقنية أيضًا؟! فقد عكس هذا المقياس جانبًا من واقع الإنترنت في عالمنا العربي ليشكل إضاءات يمكن لها أن تَشِي بتصورٍ ما عن المستقبل. فاذا اعتبر هذا المقياس استبيانًا عبر الإنترنت، وفي موضوع استعمال الإنترنت يكتسب خصوصية؛ إذ إنه يتحد موضوع الاستبيان مع وسيلته؛ مما يعني أننا نحصل على آراء عينة من الناس متلبسة بممارسة موضوع الاستبيان (استعمال الإنترنت)، فضلاً عن أن المشاركة تعكس رغبة معرفية (أو اهتمامًا على الأقل) لدى المشارك في الحصول على إجابة للتساؤلات التي طرحها الاستبيان. ومع ذلك فلا يمكننا الحديث إلا عن العينة المشاركة، والنسب التي سنشير إليها هي بالنسبة لمجموع المشاركين فقط، والبالغ عددهم 8177 مشاركًا. احذر تلك الأعراض! حاولت الأسئلة المطروحة تحديد أعراض مرض الإدمان، ومدى تحققها لدى المشارك، ويمكن إيجاز الأعراض التي تستنبطها الأسئلة بالآتي: عدم الإشباع من استخدام الإنترنت، وقضاء أوقات طويلة مع الشبكة. الشعور بالرغبة الشديدة في الدخول إليها عند تركها. إهمال المستخدم للحياة الاجتماعية والالتزامات العائلية والوظيفية. القلق والتفكير المفرط في الشبكة وما يحدث فيها، وشعور بالحزن والاكتئاب لعدم الاتصال بها. وهذه الأعراض نفسها اعتمدتها الجمعية الأمريكية للطب النفسي، مع زيادة أن المستخدم يلجأ إلى النوم العميق بعد التعب الشديد من استخدام الشبكة، فضلاً عن ظهور اضطرابات نفسية عليه كالارتعاش وتحريك الإصبع بصورة مستمرة. وبناء على الأعراض السابقة المستوحاة من الأسئلة المطروحة سجل المقياس وجود 2745 حالة إدمان (أي بنسبة 33.6بالمائة من مجموع المشاركين)، وأن ثمة 3136 حالة قابلة للإدمان أي بنسبة 38.4بالمائة، وهذه القابلية من شأنها أن تتحول مع الوقت إلى إدمان؛ ما يعني أن عدد المدمنين مرشح للزيادة بل المضاعفة، وهو رقم مخيف! ومن المهم أن نسجل هنا أن المشاركين لديهم شعور بالرغبة الزائدة، أو الاستخدام الزائد للإنترنت، وهذا مؤشر إيجابي للتخلص من الحالة إن تم إحداث تغيير في سلوكهم بعد حصولهم على نتيجة مقياسهم. كشف بيت الداء كان من المهم أيضًا معرفة مجال الإدمان، وفيمَ يستخدم المدمنون الإنترنت؛ لأن ذلك ربما يعين في إجراءات العلاج، كما أنه يترتب عليه دلالات أخرى. يوضح المقياس أن البريد الإلكتروني يحظى بالنسبة الكبرى (33.9بالمائة)، يليه غرف الدردشة (24.4بالمائة)، بينما تحظى الأخبار ب(13.6بالمائة) والمواقع اللا اخلاقية ب (9.6بالمائة)، وهذه المجالات في الواقع أكثر مجالات استخدام المدمنين عامة، بحسب بعض الدراسات، لكن بالتأكيد يختلف حكم بعضها عن الآخر؛ فبينما يعبّر الاستغراق في متابعة الأحداث عن معايشة مفرطة للواقع والعالم (الشأن العام) وهو تفريط في عمل إيجابي، يعبّر الاستغراق في متابعة مواقع الجنس عن مشكلة أخلاقية ونفسية (شأن فردي). وبينما يعبر كلا الأمرين (الأخبار والجنس) عن نشاطين لازمين من أنشطة الحياة طرأ عليهما الانحراف عن مسارهما، يعبر الاستغراق في الدردشة-بحسب واقع كثير من غرفها- عن حالة من الفراغ والعبث غير الواعي، لكن ثمة رابطا ينظم جميع هذه الخدمات التي توفرها الإنترنت، وهو الرغبة في اقتحام الممنوع أو اكتشاف المجهول. وشكلت النسبة الكبرى للمشتركين من المملكةً (39.6بالمائة) وهي من أكثر الدول-إن لم تكن أكثرها- استخداما للشبكة العنكبوتية. وثمة أمر لافت للنظر وهو أن الثلث (تقريبًا) من كل فئة عمرية (بمعدل فارق 10 سنوات لكل فئة) مدمنون، قلَّ عدد المشتركين بينهم أم كثر. ويأتي في المقدمة مَن هم بين 15-25 سنة؛ حيث يبلغ عدد المدمنين بينهم 1814 حالة من أصل 2745 حالة إدمان في جميع الفئات العمرية. من هنا لم يكن غريبًا أن تكون نسبة الإدمان بين العزاب هي العظمى، وذلك يرجع لسببين: أن أبناء هذه الفئة (15-25) دون سن الزواج في كثير من مجتمعاتنا اليوم، وأن هؤلاء أنفسهم الذين يرتادون غرف الدردشة ومواقع لا اخلاقية. وبناء على هذا ربما يمكن لنا القول: إن الشباب هم الفئة الأكثر قابلية للإدمان في مجتمعاتنا. وفي حين أكدت بعض الإحصاءات الغربية أن النساء هن أكثر الفئات استخداماً للإنترنت، يبين المقياس أن الذكور هم الأكثر (60بالمائة). ظواهر.. ومؤشرات وفي فرصة لن نفوتها على أنفسنا لاستنباط بعض الدلالات المهمة بعيدًا عن موضوع الإدمان، حيث يشكل هذا المقياس اختبارًا ولو جزئيًّا لعدد من المفاهيم التي ظهرت في حقل الإنترنت الاجتماعي، مثل: أطفال الإنترنت، وأرامل الإنترنت، وزواج الإنترنت، فضلاً عن إدمان الإنترنت نفسه. يشير الاستبيان هنا إلى أن 7.2بالمائة من المشاركين من الأطفال (دون سن 15)، وهي نسبة جيدة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن انتشار الإنترنت في العالم العربي لا يزال محدودًا، ولا يزال توجه الأنظمة الشمولية حذرًا نحوها، فضلاً عن أن هذه النسبة هي نسبة المشاركين في المقياس وعن إدمان الإنترنت، وهذا ذو دلالة مهمة. أما بالنسبة لمصطلح أرامل الإنترنت فلا يزال حضوره ضعيفًا في عالمنا (على اعتبار نسبة المشاركين من غيره ضعيفة جدًّا) فالمدمنون من المتزوجين 628 حالة، ولا نعلم بدقة مدى تأثير إدمانهم على علاقاتهم الزوجية والعائلية. أما زواج الإنترنت فبلغ بحسب الاستبيان 325 حالة، وهي نسبة قليلة، والذين يعتقدون بنجاحه هم 921 فرداً. وإذا كنا اعتبرنا أن الإقبال الشديد على غرف الدردشة يرجع إلى الرغبة في اقتحام الممنوع أو اكتشاف المجهول؛ فإن ذلك يزداد تأكيدًا بملاحظة متواليات الدردشة وتطورها إلى مكالمة تليفونية (2616 حالات)، ثم مقابلة شخصية (1673 حالة)، ثم إقامة علاقة "غير لائقة" (1125حالة) سواء عبر الإنترنت (640 حالة) أم حقيقية (206 حالة) أم كلاهما (779 حالة). وتم ذلك مع الجنس الآخر في 1126 حالة، وهي نسبة تجعلنا نميل لإثبات تعبير جديد، وهو "خلوة الإنترنت"، على الرغم من حرمة الدخول في حوار مع الجنس الآخر عبر الإنترنت. القضية الأخيرة التي نود الإشارة إليها هي "النشر الإلكتروني" عامة؛ حيث يبين المقياس تأثر الكتاب الورقي بتصفح الإنترنت في (3895 حالة)، لكن بالتأكيد لا تشكل هذه النسبة-مع كبرها- حسمًا للمشكلة المطروحة بقوة وهي مصير الكتاب الورقي، ومن الضروري أن "التأثر" لا يعني التهميش، فضلاً عن الأخذ في الاعتبار نسبة القراء وعمرهم وطبيعة ثقافتهم، ومدى دقتهم في تقدير "التأثر".