ما بعد اسرائيل.. بداية التوراة ونهاية الصهيونية لأحمد المسلماني كتاب يتناول في فصول ثلاثة ما قبل اسرائيل والصهيونية وما بعد الصهيونية. والمؤلف باحث صدر له المؤسسة العسكرية في اسرائيل الصادر في بيروت عام 2001، وقدم فيه المؤسسة العسكرية الواقفة خلف القرار السياسي في الكيان الصهيوني، وكيف نشأت وتشكلت المؤسسة العسكرية، وما أهم حلقاتها ومستوياتها، وكيف تتم فيها صناعة القرار.. أما هذا الكتاب ففي الفصل الأول ما قبل اسرائيل: كان كل شئ يتحرك الأديان والأفكار والبشر، لم تكن للخطى في هذا الوقت المبكر اتجاهات واضحة ولا غايات محددة إذ كان القحط والجفاف قد عم الجزيرة العربية ووقف خلف الكثير من الهجرات التي اتجهت شمالا ثم استقرت أو مالت في مسيرتها جهة الشرق أو الغرب، وفي هذه الحركة الدؤوب.. اختفت قبائل بني اسرائيل الذين بدأوا مع عصر ابراهيم ولم يعد لهم ذكر، لقد اختفى العبرانيون في الزحام، ولو أنهم قاوموا بين الزحام ما كان لهم أن يظهروا في حضارات مصر وبابل وآشور وفينيقيا.. التي غطت على كل شئ، ولم تكن السنوات التي عاشتها المملكة العبرانية من بدايتها الى نهايتها سوى خطوط باهتة في خلفية لوحة عملاقة شكلتها حضارات الشرق القديم وبتعبير ويلز فقد كانت حياة العبرانيين بفلسطين أشبه بحياة رجل أصر على الوقوف وسط ميدان صاخب.. فكان مصيره أن داهمته السيارات.. وحين جاءت الصهيونية كان أهم أهدافها.. هو إعادة كتابة التاريخ العالمي على ضوء تاريخ العبرانيين وظهر للوجود مئات من المؤلفات تقوم بعمل ذلك، كان منهم بونسويه وهنري جورج ومارتن برنال والكسندر واديت العالمان اللذان نشرا في عام 1998 بحثا علميا ينهض على التأويل العلمي للتوراة، وباستثناء الاتفاق على أن بداية التاريخ العبري ترجع الى ابراهيم أبي الأنبياء، فإن أغلب الوقائع والشخصيات قد ثار بشأنها جدل واسع وجودا وحدودا، وصل الى نفي الوجود نفسه لكل من موسى وداوود وكذلك انتهت دراسات عديدة قام عليها جيل من المستشرقين وعلماء التوراة في القرن التاسع عشر الى أن التوراة لم تتبلور نتيجة الحضور اليهودي في فلسطين، وإنما جاءت فيما قبل من موطنها الأصلي في الجزيرة العربية. ويستمر المؤلف في تناول سيرة العبرانيين منذ خروجهم من مصر الى سنوات التيه والحكم بعد ذلك الى أن قضى الملك الآشوري سرجون الثاني على مملكة اسرائيل عام 721 ق.م وزال شعبها من التاريخ زوالا تاما. وقد اعتقل سرجون الثاني هوشع بن أيلة آخر ملوك اسرائيل، وفي عام 608 ق.م زحف نخوز فرعون مصر في الأسرة السادسة والعشرين واحتل يهوذا ثم طرد الآشوريين من اسرائيل واحتلها هي الأخرى، لكن نبوخذ ملك بابل عاد فزحف الى هناك وهزم فرعون واستعاد مملكة اسرائيل ودمر هيكل سليمان بعد أن قتل صدقيا بن يواقيم آخر ملوك يهوذا.. كان ذلك عام 586ق.م بداية عصر السبي البابلي، واختفاء اليهود من فلسطين. لكن متعة البابليين بانتصارهم لم تدم طويلا، فبعد خمسين سنة من ذلك الانتصار وقعوا في قبضة الفرس، ففي عام 538 ق.م احتل قورش ملك الفرس بلاد بابل، وأطلق الفرس على شعب يهوذا اسم اليهود وعلى عقيدتهم اسم اليهودية، وسمح لهم قورش ملك الفرس بالعودة الى فلسطين واعادة بناء مملكتهم، وقد بقي معظمهم في العراق وعاد بعضهم الى فلسطين وأمكنهم اعادة بناء أورشليم والهيكل بدعم من الفرس، لكنهم لم يقيموا دولة وإنما استمروا جماعة خاضعة للحكم الفارسي، أما يهود العراق الذين لم يعودوا الى فلسطين، فقد كانوا يمثلون الأغلبية، وقد وصل عددهم في عهد السيد المسيح الى نحو مليون يهودي.. ولكنهم تعرضوا للابادة في عهد المغول وبقي الآلاف فقط ويهود العراق هو نواة الشتات شرقا.. الى فارس وأفغانستان وبخاري وسمرقند والقوقاز.. ثم الهند والصين والأغلب - طبقا لجمال حمدان - أن يهود الجزيرة العربية ينتمون اليهم. سيرة الصهيونية ينتقل المؤلف الى سيرة الصهيونية فيتتبعها حتى تجسيدها في دعوة ثم في حركة ثم في فلسطين وبعدها ينتقل الى الفصل الثالث ما بعد الصهيونية حيث يبدأ هذا الفصل بعبارة ذات معنى ودلالة :شيدت الصهيونية مرقدها في نشأتها.. خلقت أزمة في كل قفزة.. وانكسارا في كل انتصار، واحتاجت في بقائها الى حشد دائم وتعبئة مستمرة، والهدف الذي جرى تسويقه حين بدأت الصهيونية سيرتها الأولى والذي تمثل في إنهاء المعاناة والاستعداد للاسترخاء لم يكن سوى ضرب من أساطير الليل الشارد، فقد صار الاستنفار وضعا دائما والقتال طريقة حياة، وإذا كان هذا هو الحال بعد مرور أكثر من نصف قرن على اعلان اسرائيل وبعد أكثر من قرن على انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول.. فإن المعنى هو المأزق. ويقول: قد يصعب وصف جملة الأفكار التي تعيد النظر في الصهيونية في اسرائيل الحالية، بالحركة.. حركة.. ما بعد الصهيونية فداخل هذه المراجعات ألوان طيف عديدة ومتمايزة، وبعض المراجعات إنما تهيئ لمزيد من القوة والبطش.. ينقذ الذات وكشف النواقص ولفت الانتباه الى عثرات الطريق وهي أفكار وإن كانت تقع في اطار المظلة العامة لما بعد الصهيونية لا تعدو - في واقع الحال - أن تكون احياء وتجديدا. وهكذا ظهرت حركة المؤرخين الجدد من أجل أن تكشف تلك الثغرات في المسيرة وتلملم الأشلاء فيجدون التاريخ أكثر صدقا ومصداقية بدلا من السيرة الكاذبة الممزقة في ربط سردياتها وأخيرا ومن السابق نفسه يتكشف لنا صناعة كيان له وظائف وأغراض لصالح القوى الداعمة الكبرى قوى الاستعمار..