أعرب وزراء سابقون واقتصاديون مصريون عن تشاؤمهم بمستقبل الاقتصاد المصري نتيجة تداعيات الوضع في العراق وأكدوا خلال استعراضهم للأوضاع الاقتصادية الحالية وما تشهده من ركود وزيادة في حجم التضخم، وبطالة وضعف في موارد النقد الأجنبي أن السنوات المقبلة لن تبشر بالخير بسبب ما يضيفه العدوان على العراق. وزادت ندوة عقدتها جمعية الاقتصاد والتشريع في مصر من تحذيرها حول ذلك، وشارك فيها نخبة من الاقتصاديين البارزين في مصر جاء في مقدمتهم الدكتور إسماعيل صبري عبد الله وزير التخطيط الأسبق ومحمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق، وسلطان أبو على وزير الاقتصاد الأسبق وغيرهم من خبراء القانون والاقتصاد . الآثار الاقتصادية و صادرات البترول وأشار الدكتور إسماعيل صبري عبد الله في الندوة التي ناقشت الآثار الاقتصادية لحرب العراق الى مدى تأثر الموارد النقدية المصرية بسبب الحرب مؤكدا أن ميزان المدفوعات المصري يعاني من عجز كبير منذ عشرين عاما متوقعا تأثر الموارد النقدية بشكل أكبر وخاصة قناة السويس التي ينظر إليها وقت الحرب على أنها منطقة مخاطر تتجنب السفن عبورها وأن المرور بها يتطلب تأمينا إضافيا، وكذلك صادرات البترول التي ستتأثر بدورها خاصة وأن مصر تعاني خللا في ميزان مدفوعات البترول نتيجة انها تستورد منتجات بترولية أهمها الغاز فهي تشتري نصيب الشركات الاجنبية في قيمة الصادرات المصرية من البترول مقابل عمليات البحث والتنقيب. كما اشار د. إسماعيل إلى تأثر تحويلات المصريين من النقد الأجنبي خاصة المقيمين بالعراق والمتوقع عودتهم وشكك في عددهم الذي اعلنه وزير القوى العاملة المصري ويتراوح ما بين 30-50 الف مصري مشيرا إلى أنه أكثر من ذلك وقال ان تحويلات المصريين لم تكن تقل عن 3.5 مليار دولار سنويا، وتوقع د. إسماعيل عبد الله أن يحتفظ هؤلاء بأموالهم عند عودتهم خاصة مع توجه الحكومة بتخفيض سعر الفائدة على ودائع الجنيه المصري مما سيخلق ظاهرة الدولرة في السوق . وأشار عبدالله الى تأثر النقل البحري قائلا ان استخدامه يتطلب تأمينا إضافيا للإنتاج الصناعي والتصدير حيث تعتمد معظم الصناعات الحديثة على مكونات أجنبية من قطع غيار ومستلزمات إنتاج وقال ان عددا كبيرا من المصانع متوقع إغلاقه نتيجة ارتفاع تكلفة النقل ونتيجة تحرير سعر الصرف فضلا عن ضعف السلع المصرية في مجال المنافسة. وأكد د. إسماعيل صبري عبد الله ان الحكومة المصرية لم تتخذ الاحتياطات استعدادا للحرب وضرب مثلا بحرب أكتوبر حيث لم تشهد مصر أزمة تموينية في تلك المرحلة ومعدل التضخم لم يزد على 3% وقال ان هناك مشكلة في تأمين احتياجات مصر من الحبوب الغذائية، السكر والزيت وخاصة الزيوت النباتية فقد نقصت مساحة القطن من 1.5 مليون فدان في الستينيات إلى 750 ألف فدان مما اثر على إنتاج الزيوت المحلية في الوقت الذي يتم فيه استيراد زيت الذرة وعباد الشمس وكذلك تعاني مصر من مشكلة التخزين للحبوب لعدم وجود صوامع كافية وحمل الحكومة مسئولية عدم وضع سياسة متكاملة لمواجهة هذه الظروف الشاقة. تكاليف الإنتاج المحلية تتأثر بسوق البترول فيما استعرض د. محمد محمود الإمام وزير التخطيط الاسبق الآثار الاقتصادية للحرب العراقية من خلال علاقة الاقتصاد المصري بمجموعة من الاسواق وكذلك بشبكة العلاقات الخارجية موضحا ان هناك خللا في البنيان الهيكلي المصري والذي لا يعد وليدا للحرب ولكنه يظهر بشدة في الحرب لأنها تكشف العورات المستورة وقال ان أهم الاسواق التي ستتعرض لمشاكل كبيرة هي سوق السلع الاستراتيجية نتيجة رفع الاسعار وصعوبة النقل وظهور عجز في الموارد مما يستلزم السيطرة على الصعود الفاحش في الاسعار ويتطلب ترشيد الطلب إلى جانب تأثر سوق البترول والغاز في مصر ليسا كمصدر للطاقة ولكن لتأثيرهما على تكاليف الإنتاج المحلية والصادرات. وقال الامام ان حرب العراق هي بداية حرب بترول طويلة الأجل فالهدف الأساس منها الإستيلاء على بترول العراق ولابد من العمل مع مجموعة الدول المصدرة للبترول والتحول من الإرتباط بالدولار إلى اليورو وقد يكون لذلك تداعيات ولكنه ضروري. واضاف ان مصر تحتاج الى ترشيد لسوق النقد الأجنبي وكذلك سوق رأس المال فرأس المال لا يأتي لبناء دولة ولكن يأتي لتواجد قاعدة إنتاجية لها ربحية وتحتاج لنظام نقدي قوي. الآثار مدمرة على الطرفين كما تحدث د. سلطان أبو على وزير الاقتصاد الأسبق وقال ان للحرب آثارا على المعتدي وليس المعتدى عليه فقط وكانوا يقولون قبل ذلك ان الحروب تنعش اقتصاد الدول ربما كان ذلك صحيحا في فترة الستينيات ولكن الاحوال مختلفة الآن وستكون الآثار مدمرة على الطرفين وأضاف ان هذه الآثار تتوقف على عدة عوامل أولا مدى استمرار هذه الحرب، وهل ستكون حربا نظامية أم حرب عصابات وهل ستمتد إلى دول أخرى خاصة مع الإتهامات الأمريكية الآن لكل من سوريا وإيران فضلا عن حقيقة أهداف هذه الحرب وما تتضمنه من تغيرات على المنطقة العربية وقال ان تقدير الآثار الاقتصادية يحتاج لمنهج ولرصد العلاقات المتشابكة للإقتصاد المصري وغير ذلك مجرد تخمينات ذكية في ضوء المتغيرات وطرح سلطان أبو على ثلاثة سيناريوهات: أولها، الأقل ضررا على الاقتصاد المصري والتي قد تحدث تحسنا ملحوظا في ميزان البترول مع وجود حصيلة صادرات مناسبة منه. والسيناريو الثاني، يتمثل في تأثير محدود على الصادرات بتوقف صادرات مصر للعراق والتي تصل إلى ملياري دولار. والسيناريو الثالث، الأشد ضررا وهو توقف الصادرات وعودة المصريين من الخارج ويقدر أعدادهم بنحو مليون و700 ألف قد يعودون فضلا عن زيادة فاتورة الواردات. وأشار أبو علي إلى مايسميه بالسيناريو المعتدل والمقدر فيه خلال سنة أن يكون هناك نقص في حصيلة العملات الأجنبية وزيادة في الواردات من السلع الاستراتيجية وتقدر خسائره ب 4.4 مليار دولار بينما السيناريو الاشد ضررا تقدر خسائره ب 8 مليارات دولار. وقال ان العائدين من الخارج سوف تصرف لهم تعويضات إذا قدرت ب 2500 جنيه للفرد ل 400 الف عامل. ويرى سلطان أبو علي ان هذه السيناريوهات تحتاج لمواجهة بإعادة هيكلة الاقتصاد المصري عن طريق إعداد خطة طوارئ لمواجهة الآثار وترشيد الاستهلاك وزيادة معدل الإدخار المصري الذي لا يزيد عن 15% بينما يصل في تونس إلى 40%. للحرب تأثيرات سلبية على البيئة وعن تأثير الحرب على البيئة قال تناول ذلك الدكتور محمد عبد البديع عمران نائب رئيس مجلس الدولة والخبير البترولي الذي أكد ان للحرب تأثيرات سلبية على البيئة من خلال ظاهرة التلوث واستنزاف الموارد في الحرب نتيجة الحرائق التي تنتج عن القصف ونتيجه احتراق البترول الذي يطلق مجموعة من الغازات الضارة مثل أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين وغيرهما وهو ما يسبب ظاهرتين أولاهما الضباب الدخاني الذي قد يؤدي للوفاة والامطار الحميمة المليئة بالأكاسيد وهو ما يحتاج تكلفة عالية لمعالجة تلك الآثار. الهدف من الحرب هو تأمين احتياجات أمريكا من البترول. وأشار عمران إلى أن الهدف الاساسي للحرب هو تأمين احتياجات أمريكا من البترول واستنزاف المورد نفسه من المنطقة خاصة وأن البترول يمثل 40% من مصادر الطاقة والفحم لا يزيد على22% الغازات 2%، الطاقة النووية 6%، مساقط المياه 6% ولا تصلح كل تلك المصادر كبديل للبترول نظرا لنضوب بعضها ولارتفاع تكلفة استخراج البعض الآخر وأضاف انه منذ حرب 73 والعالم يبحث عن بدائل للبترول وفشل في ذلك وقال ان أميركا تنتج 3.5 مليون برميل يوميا وتستورد 10 ملايين أي أنها تستهلك بقيمة 300 مليون دولار يوميا إذا كان السعر 30 دولارا وفي العام 110 مليارات دولار .وأوضح انه في حالة انتصار أمريكا سوف تفرض سعرا للبترول لا يزيد على 15 دولارا للبرميل وإذا استخدمت صيغا صحيحة لحساب السعر من احتياطي، ومعدل استنزاف واستثمار ونفقة الاستثمار يصل سعر البرميل إلى 60 دولارا رغم ذلك هي تتغاضى عن ذلك وتزيد فرض سعر يناسبها وسوف تفرض على دول البترول وعلى دول الخليج خصما في سعر البرميل يقدر ب 15 دولارا مقارنة بسعره الحالي وتوفر بذلك 55 مليار دولار سنويا. وستجبر العراق بدلا من أن ينتج 2.8 مليون برميل يوميا خلال 100 سنة أن ينتج 10 ملايين وهذا يعني أنها سوف تستنزف بترول العراق خلال 27 سنة وللمرة الأولى تواجه أبشع جريمة بيئية في التاريخ وهي استنزاف أمريكا موارد البترول العراقي بهذا الشكل .