أوجعني مرآه.. ملقى على رصيف الأيام ينتظر اللقمة واللقمة بين الدمعة و...يتسول دون ان يمد يده .. أدماني مرآه .. كومة عظام يغطيها ثوب أبيض استحال الى السواد ... وجه ناحل مكدود .. عينان غائرتان حد الموت .. نفس خربة .. خاوية ..تدافعت الغصات في حلقي وازدادت عشرات الدموع وصورته القديمة تتراءى في مخليتي والذكريات تنسال دون حساب. انتزعني من بين أمي وأبي وإخوتي وأشيائي وأغلق علي بابا باسم الزواج .. بالكاد احتوانا ذلك البيت بضعفي وقوته بحبي وكرهه باستسلامي وبطشه .. انتظره كل ليلة على رصيف أحلامي حاشدة كل ما أعرف وما لا أعرف من إغواء الانثى وجاذبيتها .. لتتحطم الأحلام على صخرة الأوهام ولا أقبض الا السراب , يتخطاني داخلا الى غياهب النوم دون ان يرى ما أنفقت الساعات تلو الساعات لاجتذابه من غفوته وخلق حب لم يخلق وتوسل نظرة من اعمى لا يرى , وأخطر في أثوابي الثمينة تحف بي هالة من العطور لألقي بجسدي المضمخ بالزينة على أول مقعد فأبكي وأبكي وأبكي.. أقحمت نفسي في عالم النساء الذي أجهله أبحث في حديثهن وعبر ضحكاتهن المكتومة المدججة بالحكايا عن خيط يقودني ولا يلبث الخيط ان ينقطع لأعود في الداومة من جديد.. افتش في ذاتي عن الخطأ ..مكمن الخلل... بحثت طويلا في ملامح وجهي عن قبح أراه في نساء يولع بهن ازواجهن .. تأملت جسدي بحثا عن الزوائد والترهلات التي أراها في كثير حولي يملكن ازواجهن ..احاول أن اجد ما ينفره مني ما يحيل صورتي الجميلة في عينيه الى أخرى بشعة باهتة الملامح .. ذات مساء. ذات جرح وألم وانكسار .. ازدرت كرامتي .. وامتهن كبريائي وقذفت بمزتي وانسانيتي ومبادئ عرض الحائط وحاولت ان أفعل ما لم يفعل هو أبدا طوال شهور زواجنا العشرة .. اقتحمته مسلحة بانتظار طال امده وعذاب لا نهاية له وكلام المجربات من النساء يملأ مخيلتي .. أأقول صدمت .. سحقت.. استحلت الى أشلاء متناثرة بل أكثر وأكثر .. وصوته المترنح يقضي على كل آمالي ويواريها التراب: ابتعدي عني ماذا تريدين .. أنا لا أحبك ولم أحبك يوما .. ابتعلت الإهانة لتقف كغصة في حلقي ونكست رأسي بذل مقيت ليصرخ صمتي في حرقة الخذلات . كفى . كفى ..كفى.. وعدت لمرتع الصبا وموطن الحب محطمة كما لم يتحطم بشر .. عدت فاقدة الثقة بكل شيء بالخير والجمال ونفسي وكل الناس.. مدمن مخدرات عشت معه عشرة أشهر لم أحصد فيها سوى الذل والخوف والحرمان ..وكان الطلاق هو النهاية. ليمر الزمن وأنا أدور بين الأطباء أداوي جروحا أقفلت على صديد .. في كل جرح طعنة .. وفي كل طعنة نزف الأثم وجحافل الجمع تحجب عني لغة الحلم. وبعد النزف .. بعد الألم .. بعد الخوف .. بعد أيام غبتها في عالم آخر مع المهدئات وعشرات الأشباح ونعيق الغربان الذي لا يفارق أذني. وبين لجج العتمة .. صحوت ذات يوم .. الفيت نفسي قد غابت عن نفسي عامين ونيفا.. فقدت الكثير من وزني ومن جمالي ومن حريتي .. كان لابد أن أدفع الثمن .. ثم خطأ لم ارتكبه.. قادتني شقيقتي بدواعي النزهة الى أحد الشوارع ..أشارت إلى متشرد ملقى على أحد الأرصفة .. عرفته من أول وهلة .. لم أنتش بفرح الشماتة كما قدرت شقيقتي .. بل أبكاني مرآه لتنسال دموع الداخل بلاحساب وأبكي كما لم أبك أبدا.. قتلني مرآه ... أعاد لي ذاكرة أيام بعثرتها في انتظار الذي لا يجيء ولن يجيء أيام امتصت كل قدراتي على الحب وعلى الأمل وعلى الغفران .. لم يتبق لي في قلبي سوى شفقة ووديان من المرارة!! سامحك الله يا شقيقتي فأنا لم أعد أنا!!