اتهم الصحافي البريطاني البارز روبرت فيسك القوات الأمريكية والبريطانية الغازية للعراق بتعمد تدمير هذا البلد وتخريبه، ملمحا إلى اتهام وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بالمسؤولية عن ذلك، ومتوقعا نشوء مقاومة سريعة من قبل العراقيين لقوات الاحتلال، التي تفرض عليهم الحبس في بيوتهم، في وقت تقوم فيه عصابات منظمة بتخريب مؤسسات الدولة ونهبها، ثم حرقها. ففي ردة فعل لم يتوقعها الجيش الأمريكي البريطاني، بدأت أصوات الشعب العراقي ترتفع منادية برحيل الغزاة، مما أدخل الخوف والحيرة والاضطراب في قلوب الجنود الأمريكان متسائلين كيف التصرف؟ فهؤلاء العراقيون المحتجون ليسوا صدام حسين ولا هم من أنصاره، بل لعل الكثير منهم صفق لسقوطه، ولكن هاهم اليوم يرفعون أصواتهم ضد الوجود الأمريكي في بلادهم. وقال روبرت فيسك في مقال نشرته صحيفة "الاندبندنت" الصادرة اول أمس الخميس إن القوات الأمريكية فرضت الآن على العراقيين في العاصمة بغداد حالة من الطوارئ غير المعلنة، بعد أن فرضت عليهم ملازمة بيوتهم ليلا، وعدم مغادرتها، مع ما يصاحب ذلك من معاناة جراء انقطاع الكهرباء والماء. ويؤكد فيسك أن الأمريكيين يبدون لامبالاة غير طبيعية بمخلفات الدمار، الذي لحق المباني والمؤسسات. ويقول إنه شاهد طيلة الأيام الماضية أطنانا من الوثائق والملفات الرسمية، التي تحوي الكثير من المعلومات الخطيرة، سواء حول النظام القديم، أو حول قوائم مساجين ومعتقلين، وملفات تحقيق، ولكن لا أحد من الجنود الأمريكان يبدي لها اهتماما. وأضاف أنه حتى حي المنصور، الذي تزعم القوات الغازية أنها طمرت قي أحد مبانيه جثة الرئيس العراقي صدام حسين ومرافقيه، لا تبدي القوات الأمريكية أي اهتمام بالمكان، الذي قتل فيه العديد من العراقيين المسيحيين. وقال فيسك إنه زار المكان لعله يجد الأمريكيين يبحثون في المكان عن أدلة تؤكد أو تنفي مقتل الرئيس العراقي هناك، ولكنه لم يجد إلا بعض المدنيين العراقيين يحاولون انتشال بقايا جثث أبنائهم من تحت الدمار. كما أكد أن القوات الأمريكية غير مهتمة كثيرا بسلامة المؤسسات المدنية ومقرات الوزارات، التي تحرق أمامهم، قائلا إنهم لا يمنعون العابثين من فعل ذلك. ويضيف الصحافي فيسك أنه شاهد وزارة التربية العراقية تحترق، ورأى قريبا منها جنودا أمريكيين، لا يفعلون شيئا. بل كاد فيسك في مقاله يوجه الاتهام لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بالمسؤولية عن كل ما يجري، متسائلا لماذا أصر رامسفيلد الأسبوع الماضي على نفي وجود نهب وتدمير كبير في العراق، مؤكدا أنه يكذب ولا يقول الحقيقة، ومتسائلا لماذا يريد رامسفيلد إخفاء الحقائق؟. واتهم فيسك وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بمغالطة الرأي العام الدولي، وممارسة كذب غير مقبول، متسائلا كيف تقول إن القوات الأمريكية ليس لها ما يكفي من الجنود لحماية المكتبات وتراث بلاد بأكمله، تلاعبت به أياد آثمة، نهبا وسلبا وتدميرا وإتلافا، بطريقة تبعث على الشكوك بأن ثمة جهات تقف وراء كل هذا الدمار؟. وقال إن مئات الجنود الأمريكيين موجودون في أماكن لا قيمة لها، يتنزهون في حدائق الأزهار التابعة للقصور الرئاسية، في حين يعبث العابثون بتراث أمة يمتد تاريخه لآلاف السنين.. وخلص الصحافي البريطاني في مقاله إلى تأكيد أن ما حصل ويحصل في بغداد وغيرها من المدن العراقية من إحباط، ومن إحساس لدى الشعب العراقي بالإهانة، والتلاعب بتاريخ بلاده ومستقبلها، هو إعلان عن نهاية "التحرير" وبداية الثورة ضد المحتل الأجنبي، وأن ما تخبئه الأيام في العراق قد يكون مفزعا.. لمن؟ الأيام والأسابيع القادمة تجيب عن هذا التساؤل.