رغم ان العلاقة بين الأدب المقارن والترجمة علاقة معقدة، فان الترجمة وخصوصا الادبية منها عانت من ازمة منذ ان ظهرت كعلم مستقل، كان رينيه وليك ورينيه اتيامبل وسوزان بازنت اكثر من كتب في الأدب المقارن ونظره وكانت ومازالت بازنت في السنوات الاخيرة من اكثر المنشغلين في محاولة ايجاد أي نوع من العلاقة بين الأدب المقارن والترجمة الأدبية وكررت في كتابها (دراسات في الأدب المقارن) ان العلاقة بين الاثنين اي الأدب المقارن والترجمة الأدبية هي علاقة اشكالية، فقد اعطت بازنت امثلة وضحت فيها الحالات التي يرفض فيها المقارنون الترجمة الادبية كما في الدراسات الثنائية المقارنة. ما اريد تأكيده هنا هو ان الترجمة الأدبية تعاني من ازمة لاتقل في مستواها عن ازمة الأدب المقارن، وسأحاول تسليط الضوء على بعض جوانب تلك الازمة والتي تنبع اساسا من غياب نظرية واحدة اتفاقية في الترجمة الأدبية. الواقع ان كل من اشتغل في حقل الترجمة الأدبية احتفظ بنظرية خاصة به، ولذا من الصعب ان توجد نظرية واحدة يتفق عليها كم هائل من النقاد او الأدباء او اللغويين او الشعراء. ونتيجة لذلك كان النص الأدبي المترجم مختلفا احيانا بدرجة صغيرة واحيانا بدرجة كبيرة من مترجم الى آخر حسب النظرية المتبعة في كل ترجمة، لقد بات من الواضح ان الترجمة اداة اساسية للاتصال الثقافي بين الشعوب والحضارات، وكتاب الماضي والحاضر مارسوها لتحقيق هدف التواصل في ما بين الثقافات المتباينة. الا انهم اختلفوا في بعض جوانبها واستخدموا اساليب مختلفة في تنفيذها، فعند الرومانيين اعتبرت الترجمة وسيلة لتعزيز الثقافة على حساب الجوانب اللغوية للنص الاصلي، ومترجمو عصر النهضة استغلوا الترجمة لكي يضيفوا الى لغتهم عناصر فعالة، ففي القرنين الاخيرين اصبح هم الاوروبيين منصبا على تأكيد عراقة اللغات الاوروبية بحكم انها تنحدر من اصل واحد وهو مجموعة اللغات الاندو اوروبية. ورغم ذلك يواجه الاوروبيون مشاكل عدة في نقل اي نص ادبي في اطار المجموعة الاوروبية. قد يعود سبب وجود الترجمة باطارها العام في ازمة دائمة الى انها لم تعتبر كعلم مستقل فالكل يمارسها ايا كان تخصصه، فهي ليست حكرا على مجال معين دون الاخر. هذا بالتالي وضع جميع النصوص المترجمة في دائرة المساءلة والشك، واجبر المترجمين على وضع استراتيجيات وأسس خاصة بهم فاضطر بعضهم ان يمارس الترجمة بشكل براجماتي بعيدا عما العلمية او الاتكاء على نظرية ثقافية. اذن ما الذي يفعله المترجمون الادبيون في ترجماتهم؟ هل تراهم يضعون اعتبارا الى اي فروق خفية بين اللغات؟ أي نص ينشئون في ترجماتهم عملا ادبيا افضل من الاصلي ام اقل منه؟ وهل توجد أي اعبتارات ثقافية في عملية الترجمة؟ واهم من ذلك كله ما هو الغرض من الترجمة؟ هنالك نظرتان تقليديتان الى الترجمة الادبية. الأولى تؤمن بها ولكن حسب معاييرها والاخرى لاتؤمن بها البته. ارثر شوبنهاور وهو فيلسوف الماني لا يؤمن اطلاقا بامكانية الترجمة الادبية وخصوصا الشعر فهو يقول (لا يمكن للشعر ان يترجم ولكن يمكن اعادة كتابته والذي هو في حد ذاته عمل محفوف بالمخاطر) وبالمثل يعتقد جون درايدن وهو الذي اشغل نفسه بما اسماه امراض الترجمة: (لايوجد من يستطيع ان يترجم الشعر) درايدن عبر عن وجهة نظره هذه بعد ان امضى وقتا طويلا في ترجمة اعمال شوسر الى الانجليزية الحديثة وهي الترجمة التي لم تحظى باقبال كبير. انتوني بيرمان ينظر اليها من زاوية اخرى فهو يعتقد ان المترجم يبرز نفسه على انه كاتب وهو ليس كذلك بل هو يعيد الكتابة، فهو مؤلف للنص لكنه ليس المؤلف والنص المترجم عمل ما ولكنه ليس العمل نفسه. يبدو ان بيرمان يشير هنا الى عملية اعادة الانتاج في الترجمة والتي من خلالها يولد عمل جديد. بعض النقاد الادبيين يذهب الى ابعد من ذلك باتهام المترجم بالخيانة اما بمحاولته انزال المؤلف الى القارئ او رفع القارئ الى المؤلف كما صور ذلك شلايمخر، ففي الحالة الاولى يخون المترجم العمل الادبي وفي الحالة الثانية يجعل لغته تبدو اجنبية، فالخيانة حتمية في كلا الحالتين والترجمة تبقى في ازمتها. لذلك يقرر والتر بنجامين في مقالته (وظيفة المترجم) ان الترجمة الجيدة هي التي تجمع اللغتين في ارضية مشتركة حيث لايبدو النص اجنبيا او محليا. في نظري ان نظرية بنجامين تلغي اي دور للامانة العلمية في النص مما يعرض تفاصيل كثيرة الى الضياع او عدم دقة الترجمة وبالتالي سوء الفهم والشطط عن المعاني الاصلية. هل نستطيع مثلا ان نجمع بين لغتين مختلفتين كالانجليزية والاسبانية حين نترجم رواية دون كوشت؟ او تجمع بين الفارسية والانجليزية في ترجمة رباعيات الخيام؟ اظن ان الجواب هو النفي. لكن ماثيو آرنولد اختزل الازمة من ناحية نظرية استجابة القارئ للنص وهي النظرية التي تركز على العلاقة ما بين القارئ والعمل مؤكدا في مقالته (ترجمة هومر) ان قارئ هومر الأصلي لا يمكن له ان يتفاعل مع نصوص هومر بنفس المستوى والطريقة التي يتفاعل معها القارئ المعاصر ايا كان. وحسب نظريات آرنولد في الترجمة فان اولئك المتخصصين ممن يملكون حسا شاعريا مترفا هم فقط من يستطيع ان يعطي احكاما دقيقة عن اي نص ادبي مترجم فيما يخص نظرية ارنولد الاولى فاني لا ارى ضرورة لآرنولد ان يؤكد ان قراء هومر لن يتفاعلوا بنفس مستوى تفاعل القارئ المعاصر فهذا امر مفهوم وطبيعي ولا يقتصر على لغة بعينها فالمترجم مهما كان مقتدرا فلن يستطيع ان ينقل النص بجميع تفاصيله من ثقافة ما الى اخرى مغايرة، بل في حدود اللغة نفسها لا يستطيع القارئ ان يتفاعل مع نص ادبي ما بنفس المستوى الذي يتفاعل معه قارئ في عصر اخر يقرأ نصا من نفس تلك اللغة. على اية حال فلايوجد لجميع الكلمات في لغة ما يقابلها تماما في لغة اخرى وعلى ذلك فليس من الضرورة ان تتشابه المعاني والدلالات في جميع اللغات فكلمة مثل wit في اللغة الانجليزية لايوجد ما يقابلها تماما في اللغة العربية فالمترجم هنا يواجه احتمالين اما الا يعطي ترجمة دقيقة او ان يضطر الى اقحام جملة تنقل المعنى بدقة وهذا بدوره قد يؤثر على جمال النص لاسيما اذا كان شعرا فالأزمة ربما تأخذا ابعادا اخرى حسب كثافة الاسلوب اللغوي والصور البلاغية في النص. كما ناقش آرنولد قضية الكلمات باسهاب بالتأكيد ان ايجاد مقابل للكلمة المترجمة يجب الايكون الشغل الشاغل للمترجم بل يجب ان يتمحور تركيز المترجم على اعادة انشاء تفاعل واتجاه الشاعر في النص، كما ان النص يجب ان يرى على اساس انه وحدة متكاملة وليس مجرد تفاصيل. ماجستير في الأدب الانجليزي