تواصلت جلسات مؤتمر اللغات والترجمة الثالث الذي عقد تحت عنوان (الترجمة والتعريب في المملكة العربية السعودية) وبرعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء الرئيس الفخري للجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة، وافتتحه صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبدالعزيز نائب الرئيس العام لرعاية الشباب مساء الاثنين الماضي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ،واستمر حتى يوم أمس. ففي الجلسة الرابعة التي كانت بعنوان الترجمة الإسلامية اوضح الأستاذ الدكتور عبدالرؤوف حسين من جامعة ليدز في بريطانيا في ورقته (الفشل المقامي في الحوار الثقافي) أن تأليف النصوص واستخدام أفعال الكلام الممكنة تدفع القراء إلى التصديق بشيء ما، أو التعاطف، من أجل إقناعهم بالقيامِ بأمرٍ ما، وأشار إلى أنه في حال الترجمة لا تكون المشاعر مشابهة لما هي عليه في ذات اللغة الأصلية لدى المتلقّي. وأرجع الأستاذ الدكتور عبدالرؤوف مقدار الفشل المقامي إلى نسَقٍ من العوامل اللغوية والاجتماعية لا تكون بالضرورة بسبب النقل الحرفي للنسخة المترجمة من النص، ثم أعطى لمحة تاريخية حول الترجمة وكيف بدأت منذ عصور القرن الأول قبل الميلاد والتأييد الذي وجد حينها من قبل كبار الفلاسفة أمثال شيشرون، وما تلا ذلك من ظهور تقنيات الترجمة الحرفية للنص الأصلي، حتى الوصول إلى مسألة تطابق المعنى في الترجمة في القرن العشرين، أعقب ذلك دراسات في مجال البعد المقامي للترجمة والرابط المتين بين اللغة وثقافة الشعب المتحدّث بها، حتى أصبحت الترجمة تلبس من موروث وثقافة اللغة التي تترجم إليها. بعد ذلك اكد الدكتور عبدالحميد عليوة عضو هيئة التدريس بكلية اللغات والترجمة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن مترجمي القرآن ليس لديهم إمكانية الوصول المباشر إلى لغة القرآن كما هي خلال فترة الوحي، لذا فإنهم يعتمدون على مصادر تنتمي إلى العصر نفسه لترجمته، وكانت المصادر الوحيدة المتاحة في ذلك الوقت هي الأحاديث النبوية وأمثال الأعراب والشعر، ومع ذلك، فإن معظم المترجمين يرجعون إلى تفاسير القرآن الكريم التي يختلف فهمها من مفسّر إلى آخر، وفي نهاية المطاف يقدّمون ترجمة لتفسير القرآن وليس القرآن نفسه، فترجمة القرآن تعتمد أساساً على نفس منهج المفسر. واوضح في ورقه بعنوان (هل ترجموا القرآن الكريم أم تفسيره؟: معالجة باستخدام المكانز اللغوية لترجمة الترادف والاشتراك اللفظي في القرآن) بعض القضايا في ترجمة القرآن الكريم، وبخاصة مشاكل الترادف والاشتراك اللفظي، والذي يمكن تفسيرهما باستخدام المكانز الحاسوبية التي من خلالها يمكن البحث في أعداد هائلة من النصوص للحصول على كافة الألفاظ الواردة محل البحث، ومن ثم مقارنة استخدامات الكلمات وما يميزها عن بعضها البعض لغوياً، مثل المترادف والاشتراك اللفظي، فمن خلال هذه التقنية، يمكن المقارنة بين ما يبدو مترادفاً أو مشتركاً لفظياً مع تسليط الضوء على بعض الفروق بين أي لفظين بتحليل سياقاتهما. المتحدث الثالث في الجلسة هي الدكتورة دلال محمد الجميعي أستاذة اللغويات المشاركة بجامعة الأزهر بالقاهرة قدمت ورقة عمل بعنوان (الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ودوره في إيصال المعنى في الترجمة الإنجليزية)، حيث أشارت في حديثها إلى دور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في ترجمة معانيه إلى اللغة الإنجليزية مشيرة إلى أنه تتوافر دراسات عدّة حول الصعوبات اللغوية في ترجمة معاني القرآن الكريم، منوهة إلى أن كثيراً من الاكتشافات العلمية في عصرنا الحديث تم ذكرها في القرآن الكريم، وأدى ذلك إلى انتشار الأبحاث التفصيلية التي عرفت باسم أبحاث الإعجاز في القرآن الكريم، واقترحت في ورقتها إضافة الطبيعة العلمية للقرآن بنطاق أوسع من خلال عملية الترجمة، بحيث يعتمد هذا المنهج على نظريات وطرائق الترجمة السابقة ضمن السياق الأوسع في المجال العلمي. جانب من جلسات المؤتمر وجاءت الجلسة الخامسة بعنوان (التدريب على الترجمة والبحث فيها) حيث اكد الدكتور عنتر صلحي في ورقته (الترجمة وإعداد معلم اللغة الإنجليزية)على أهمية إدماج الترجمة باعتبارها مكوناً رئيساً في البرامج المقدمة لمعلمي اللغة الإنجليزية في العالم العربي، وتناول الباحث موقع الترجمة في إطار تطورات المدخل التواصلي باعتبار الترجمة أداة يمكن للمعلم استخدامها، وبين أن الهدف من دراسته هو تبيان دوري الترجمة كأداة تعليمية وكزمرة مهارات لغوية وأن كلا الدورين لا ينفك عن الآخر في عملية تعليم اللغات وتعلمها. واوضح الأستاذ في أحمد المعيني في بحثه بعنوان (استخدام نموذج (CIPP) لتقويم برامج إعداد المترجم لغرض تحسين الأداء)، أن الاهتمام ضئيل للغاية بتقويم برامج تدريب المترجم مشيراً إلى أن الحاجة تزداد لهذا النوع من الأبحاث عند الأخذ في الاعتبار ما توصل إليه الباحثون من وجود فجوة بين برامج التدريب للترجمة و”العالم الحقيقي“. واقترح الباحث ضرورة وجود نموذج تقويم منهجي يمكن توفيره للمسؤولين وصناع القرار بالإضافة إلى معلومات حول التخطيط لبرنامج تدريب المترجم، بشرط أن يكون النموذج قابلاً للتطوير والتحسين المستمر لتقويم الكيفية التي تجري بها الأمور. اما الجلسة السادسة والتي كان محورها (مساقات الترجمة المتعددة) استهل الحديث فيها الدكتورة هدير أبو النجاة وقدمت ورقة بعنوان (مَن يترجِم... وماذا يترجم؟ : الأعمال الأدبية المترجمة ودورها في معالجة الصور المغلوطة المعمّمة) تطرقت خلالها إلى أن الترجمة تلعب دوراً هاما في نقل رسائل من نوع خاص بين الشعوب، وعكسِ صورٍ -سلبية أو إيجابية- في أذهان المتلقّين لتلك الأعمال. وأشارت أن ورقتها تهدف إلى الإجابة على عدد من التساؤلات منها ماذا يُترْجَم؟ ومن يُترجِم؟ من يحدّد ما تتوجب ترجمته؟ وكيف تؤثر ترجمة الأعمال الأدبية للإنجليزية في تغيير الصورة النمطية المعمّمة عن المسلمين في أذهان القرّاء، سواءً كان التغيير بالسلب أو الإيجاب؟ وما هو الدور المنتظر من الأعمال الأدبية العربية المترجمة أن تلعبه في سبيل التصدّي للخوف المرضي غير المبرّر من الإسلام والمسلمين؟، بعدها استعرضت الباحثة بعض أهم الأعمال الأدبية العربية المترجمة مؤخراً للإنجليزية. وتناولت الدكتورة عفّت جميل خوقير في ورقتها بعنوان (ترجمة الأعمال الأدبية للأطفال وأثرها في النمو المعرفي والثقافي للطفل)، وأشارت إلى أن الهدف من البحث المقدم هو الاستفادة القصوى من المؤلفات الأدبية الغربية الموجّهة للطفل، وذلك عن طريق ترجمتها للعربية، كونها مثالاً للأدب العالمي، خاصة تلك التي تهدف إلى غرسِ مبادئ وقيم أخلاقية في الأطفال وتعزيز نموّهم المعرفي والإدراكي، كما تُظهر الدراسة إلى أي مدىً يمكننا أن نترجم، وما يجب علينا أن نتجنّب ترجمته للطفل، وكيف نقوم بتطويع الترجمة لتتلاءم مع الطفل العربي المسلم. من جانبها أكدت الأستاذة في جامعة الملك عبدالعزيز سوسن الجحدلي أن النصوص الشعرية تمثل تحدياً في الترجمة الأدبية، وتتمثل المعضلة في الترجمة متعددة اللغات للشعر في قضية الولاء، وذلك في الورقة التي قدمتها بعنوان (القراءة الحسية في ترجمة الشعر: جدوى ترجمة الإحساس - للإحساس في نقل الثقافة)، وأشارت مسألة ترجمة الثقافة في النص اللغوي للقصيدة من خلال النظر في بعض المشكلات الشعرية من وجهة نظر حسية، ونوهت إلى أن المشكلات المتعلقة بنقل الإحساس تنقسم إلى درجات متعددة. وقع اختيار الباحثة على إحدى أشهر المراثي العربية لتكون موضوعاً للبحث والتحليل. تم اختيار مرثية أبو الحسن الأنباري في وفاة الوزير ابن بقية. وخلصت الباحثة إلى ضرورة الإلمام بمنهج الدراسات الدلالية فيما يتعلق بالنصوص الأدبية، كما أن ترجمة الإحساس بالإحساس بحُرِّية هي من أفضل طرق الترجمة والتي يستطيع المترجم من خلالها إيصال المعنى، وتنصح الباحثة المترجم بإعادة إنشاء القصيدة لكي يستطيع من خلالها أن يستنسخ الحواس الثقافية الموجودة في النص الأصلي. المتحدثة الأخيرة في الجلسة هي الدكتورة نهلة محمود قهوجي من قسم دراسات الطفولة – الاقتصاد المنزلي – في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وقدمت ورقة بعنوان (فعالية تعريب وتقنين مقاييس لتقويم الجودة الشاملة)، وطالبت بضرورة ترجمة وتقنين مقاييس عالمية بهدف تصميم أداة لتقويم الجودة الشاملة في رياض الأطفال، وذلك للحاجة الماسة لتوفير أداة باللغة العربية تعتمد على معايير محددة ومقننة يمكن استخدامها لتقويم مستوى الخدمات المقدمة من قبل الروضات الحكومية والأهلية بناءً على المؤشرات البنائية والمتغيرة للجودة. وحاولت الباحثة تعريب وتقنين المقياس الأمريكي الشهير لتقويم بيئة رياض الأطفال وكذلك المقياس البريطاني لتقويم المناهج المستخدمة في رياض الأطفال، بالإضافة إلى إعداد المقياس السعودي لتقويم رياض الأطفال في المملكة العربية السعودية والذي يشمل أجزاء إضافية تتوافق مع طبيعة رياض الأطفال في المملكة العربية السعودية والمنهج الإسلامي وتدعم نقاط الضعف التي لا تتوفر في المقاييس العالمية.