عملية تسرب العمالة الوطنية المدربة من مصانع إلى أخرى هي (ظاهرة) تحتاج الى دراسة عميقة تضع لهذه المشكلة حلولا سريعة وجذرية , وتقضي على الظاهرة قبل أن يكون لها المزيد من التداعيات والآثار والنتائج السيئة. ولا شك ان المصانع الوطنية التي قامت بتدريب هذه العمالة سوف تتأثر تأثرا كبيرا نتيجة لاستقطاب هذه العمالة من جانب مصانع أخرى , كما ان رجال الأعمال الذين يمتلكون هذه المصانع من الطبيعي أن يتضرروا بسبب انتقال هؤلاء العمال والموظفين من مصانعهم , الى مصانع اخرى (تأخذهم على الجاهز) دون ان تنفق عليهم (هللة) واحدة , وإنما فقط اجتذبتهم ببريق من الإغراءات المالية مثل زيادة او منحهم مبالغ كبيرة في بداية التحاقهم بهذه المصانع كنوع من الإغراء على سبيل المكافأة أو المنحة أو تحت أي مسمى. إنني اتفق مع وجهة النظر القائلة بأن تسرب العمالة الوطنية بعد تدريبها الى مصانع لم تقم بتحمل أي تكاليف او أعباء مالية في تدريب هذه العمالة , إنما يعد ظلما للمصانع التي تعطي اهتماما لعملية التدريب ولا شك ان السبب الحقيقي لهذه (الظاهرة) إذا جاز لي أن أسميها كذلك هو ندرة الأيدي العاملة الوطنية في مجال الصناعة , مما يؤدي الى التنافس الشديد على هذه الأيدي العاملة التي أصبحت (سلعة) بالمعنى الاقتصادي لا بالمعنى الأخلاقي تطرح في السوق ويجري عليها ما يجري على السلع عامة وعلى رأسها قانون العرض والطلب وطالما ان هذه السلعة وهي الأيدي العاملة الوطنية المدربة نادرة وتعاني سوق العمالة نقصا في هذه العمالة , فإن القانون هنا لابد ان يتحكم حيث يعد الطلب عليها متزايدا , ولا شك ان تزايد الطلب على هذه العمالة في الوقت الذي يعاني فيه العرض مشكلة , لابد ان ينجم عن هذه المنافسة الشديدة على هذه العمالة , هذا أمر طبيعي , وعلينا وعلى جميع رجال الأعمال والاقتصاديين ان يدركوه وان يسلموا به وفي مقدمتهم أصحاب المصانع التي تعرضت لهذا التسرب. وإن بعض المصانع قد انشأت مراكز لتدريب العمالة , إدراكا منها لأهمية التدريب باعتباره (متغيرا) مهما في عملية (الإنتاج) الأمر الذي جعلها لا تبخل برصد مبالغ كبيرة لدعم هذه المراكز , إيمانا منها بأن تأهيل العمالة التي تلتحق بها وتشارك في الإنتاج , سوف يكون له مردود وعائد اقتصادي يعود عليها بالمنفعة متمثلا في منتجات جيدة وذات قدرات تنافسية في الأسواق , بما يعني رواج منتجاتها وحصولها على أرباح ومكاسب نتيجة لاهتمامها بالتدريب وحرصه على تأهيل عمالها وموظفيها وزيادة قدراتهم ومهارتهم , من خلال فهمها للدور المهم الذي يلعبه تطوير الموارد البشرية في أي مشروع اقتصادي. إن هذا التوجه صحيح وسليم , وهو توجه فضلا عن أنه اقتصادي أو خاص يستهدف مصلحة المؤسسة او الشركة او المصنع فإنه توجه (وطني) ويعكس حسا عاليا فيما يتعلق بانتماء هذه الشركات والمصانع لبلادها وحرصها على تطوير اقتصادها الوطني , ان هذه ليست عبارات (عاطفية) مقطوعة الصلة بالقضية هو ( الظاهرة) التي نتحدث عنها , بل أنها وثيقة الصلة وشديدة الارتباط بها , إذا أنه من المعروف للجميع أهمية التدريب في زيادة مهارات وقدرات الموارد البشرية , الأمر الذي يصب في مصلحة زيادة الانتاج وجودته , مما يرفع بالتالي من القدرات التنافسية , للمنتجات والسلع السعودية ويفتح امامها الأسواق الخارجية , مما يؤدي الى زيادة الصادرات وبالتالي زيادة الناتج القوي الإجمالي وزيادة معدلات النمو الاقتصادي , ان التدريب ليس (ترفا) ولكنه ضرورة حيوية لخدمة الاقتصاد الوطني وخدمة عملية التنمية بشكل عام. ولا يتوقف الأمر من وجهة نظري عند الجوانب الاقتصادية , وذلك ان تدريب البشرية في أي مجال يرفع من مستوى هذه الكوادر من الناحية الحضارية والاجتماعية والثقافية, حيث تدخل في عملية التدريب الكثير من العمليات العقلية والذهنية , خصوصا إذا ما ارتبط التدريب بالتقنيات الحديثة وارتبطت البرامج التدريبية بمتغيرات العصر ومستجداته التي أصبحت تؤثر تأثيرا بالغا على طريقة التعايش وأساليب التعامل في الحياة اليومية للانسان المعاصر, ومن هنا فان عملية التدريب تتجاوز الجوانب الفنية والنظرية وتطبيقاتها في المصنع أو المؤسسة او الشركة الى اسلوب (ونمط) الحياة, والقدرة على التعامل مع العصر لكل معطياته, الأمر الذي يعني تطور المجتمع وتقدمه ورفع المستوى المهاري والذهني للمواطن في كافة المؤسسات والشركات والجهات التي تعتمد التدريب منهجا وأسلوبا لتطوير مواردها البشرية. ولذلك , فإنني أرى أن مطالبة بعض رجال الأعمال الذين تضرروا من عملية ( السطو) وهي عملية سطو بالفعل إذا كنا نريد أن نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقة ولذلك فإن مطالبتهم بدفع مبالغ كبيرة تعويضا لهم عن الأضرار الناتجة من عملية تسرب العمالة , وهي دعوة لهم فيها كل الحق , ومهم معذورون في هذا الطلب , ويجب ان نقف الى جانبهم , في مطالبتهم بهذا التعويض ليس فقط للحد من العمليات الانتهازية التي (تستثمر) جهودهم وانفاقهم منا لصالح فئة لم تكلف نفسها عناء اوتعبا او لترسيخ المبادئ والقيم التي يجب أن تحكم السوق الاقتصادية لشكل عام , ولتأكيد مبدأ ان من ينفق يجب ان يحصل على ثمرة إنفاقه , لا أن يأخذها او بمعنى اكثر دقة (يخطفها) غيره! ان الحد من علميات السطو على العمالة المدربة ليس كافيا , بل يجب العمل على وقف هذا الاتجاه الخطير فورا , وهنا قد يكون من المطلوب من الغرف التجارية الصناعية دور ومسئولية وقد يكون من المطلوب أيضا تدخل صندوق تنمية الموارد البشرية , من أجل الانفاق على وضع خطة لمواجهة هذه الظاهرة بشكل حاسم وجذري , ثم بحث آلية تساعد على انشاء مراكز لتدريب العمالة الوطنية, وتأهيلها للعمل في المصانع والشركات المختلفة على ان تساهم فيها كافة المصانع والشركات الأهلية, وان يساهم فيها رجال الأعمال والاقتصاديون , حتى تستقر الأوضاع تماما وتختفي هذه الظاهرة وحتى يتم ذلك على الغرفة التجارية الصناعية أن تتدخل الآن وفورا لنزع فتيل المشلكلة وجمع أطراف المشكلة وبحث سبل التهدئة والاتفاق على برنامج زمني للتحرك. رشيد بن راشد الرشيد الظهران