أعلنت أنقرة خفض أسعار الغاز للمستهلكين إثر قرار روسي بخفض أسعار صادرات الغاز إلى تركيا مما أدى إلى توقعات بانتعاش جزئي في الاقتصاد التركي، وأثار في الوقت نفسه أزمة صامتة بين طهرانوأنقرة التي أوقفت استيراد الغاز الايراني. وفي حركة سابقة للانتخابات التركية ( في الأسبوع الأول من نوفمبر الحالي)، بادرت تركيا إلى خفض أسعار الغاز المخصصة للمستهلكين بعدما حصلت على امتيازات بهذا الشأن من روسيا، إلا أن المسؤولين الاتراك لم يعلنوا عما إذا كانت ايران قد وافقت على منح تركيا فرصة مماثلة. وأعلن زكي جاكان وزير الطاقة التركي مطلع اكتوبر خفض أسعار الغاز بنسبة 5 في المائة للمستهلكين الصناعيين و6 بالمائة للمستهلكين الأفراد وأوضح جاكان في بيان عن وزارة الطاقة التركية أن موسكو وافقت على خفض أسعار الغاز الذي تصدره إلى تركيا بنسبة 9 في المئة. ومعروف أن روسيا تؤمن نحو 80 في المائة من واردات تركيا من الغاز. وجاء خفض أسعار الغاز للمستهلكين بعد مرور 3 أسابيع على إعلان جاكان موافقة روسيا على خفض أسعار صادراتها، مما يمكن تركيا من توفير 280,4 مليون دولار من نفقات الغاز الطبيعي حتى عام 2005 واعتبرت تقارير صحافية أن خفض الأسعار سيخفف حجم التضخم في تركيا ويسرع في انتعاش الاقتصاد التركي الذي يشهد أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية. غير أن توقيت خفض أسعار الغاز في حد ذاته طرح بعض الأسئلة حول الدوافع التي قادت إليه. إذ أنه صادق قبل شهر واحد على اجراء الانتخابات العامة المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل. وتعاني تركيا منذ فبراير 2001 أزمة اقتصادية طاحنة نجمت عن توترات سياسية ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة وانهيار مفاجئ في الاقتصاد، ودفع تركيا إلى خفض طلبها على الغاز المستورد. وكان الوزير جاكان قد أعلن في وقت سابق أن شركة بوتاس الحكومية التركية لخطوط الأنابيب تفاوضت مع غاز بروم الروسية حول خفض الواردات إلى النصف العام المقبل، عبر خط أنابيبها الجديد المسار الأزرق الذي يعبر البحر الأسود. وتقدر كلفة مشروع خط الأنابيب الجديد المسار الأزرق بحوالى ال 3,4 مليون دولار. وذكرت مصادر صحفية أن موعد بدء العمل في بناء الخط، تأجل إلى ديسمبر. وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل موعد بدء العمل في المشروع الذي تشارك في تنفيذه شركة ايني الايطالية إذ تأجل موعد افتتاحه في مارس ثم في ديسمبر من عام 2001 بعدما أعلن المشرفون على تنفيذه عام 1997 أن الغاز سيبدأ بالتدفق عبر الخط بدءاً من عام ،2000 لكنه تأجل 3 سنوات! وليس معلوماً بعد تأثير خفض الأسعار على الدول الأخرى. وكانت أنقرة قد أعلنت في 9 من سبتمبر الماضي أن تدفق الغاز من ايران متوقف منذ 24 يونيو الماضي، وعزت ذلك إلى سوء نوعية الغاز الايراني. لكن طهران حملت الاقتصاد التركي مسؤولية التوقف وهددت بالمطالبة بتعويضات وفقاً لبند الأخذ أو الدفع المذكور في العقد المبرم لمدة 25 سنة بين الجانبين. وتضمنت آخر التقارير بعض الأمل حول قيام تركيا بمعاودة الاستيراد من ايران في أوائل اكتوبر. ورغم أن مدير عام شركة بوتاس جوكان بيلداجي ، أكد أن استئناف استيراد الغاز من ايران تقرر في مطلع أكتوبر، إلا أن مصادر صحفية نقلت عن مسؤول في شركة الغاز الايرانية الوطنية قوله: لاتزال المفاوضات مستمرة، ولم نتوصل إلى نتيجة بعد حول التاريخ الذي ستستأنف فيه تركيا استيراد الغاز!. ومن الممكن ان يؤدي خفض الأسعار الروسية إلى فرض نوع من الضغط على أذربيجان التي تأمل في تطوير حقل غازها العملاق المعروف باسم شاه دنيز في بحر قزوين وفي تصدير الوقود عبر خط أنابيب جديد إلى تركيا. وتأمل باكو في أن تتخذ شركات النفط الغربية قرارها بالاستثمار في شاه دنيز في وقت متأخر من شهر أكتوبر، خصوصاً بعدما ارتفعت الكلفة المقدرة لتطوير الحقل من 2,7 مليون دولار إلى 3,2 مليون دولار. وكان أنصار المشروع قد راهنوا على المنافسة مع روسياوايران في مجال الأسعار، وهو تحد يبدو اليوم صعب التحقيق بعد خفض روسيا أسعارها. وكانت تركيا تعمل على مشروع مشترك لبناء خط أنابيب بكلفة 300 مليون دولار، يمتد عبر اليونان، لنقل فائضها من الغاز إلى أوروبا. لكن خط الأنابيب الجديد، المتوقع بدء العمل فيه في عام 2005 لن يتمكن من نقل أكثر من 500 مليون متر مكعب سنوياً إلى أوروبا، وهي كمية لا تتجاوز خمسة في المئة من الفائض التركي. ويبدو من الصعب ادارة المنافسة بين كل هذه الدول من دون مضاعفات. فخلال الأسابيع الأخيرة، حرصت ايران على معالجة خلافها حول الغاز مع تركيا، كمسألة منفصلة وحاولت الاستمرار في الاتصالات الجارية في قضايا أخرى تتعلق بالزراعة والنقل. ومن المتوقع أن تنتهي القضية عند هذا الحد، في حال عاودت تركيا استيراد الغاز الايراني، لكن الملاحظ حتى هذا التاريخ أن تركيا لم تتمكن من أن تفي بغير جزء بسيط فقط من قائمة مشترياتها.