ها.. قد اظلّنا شهر رمضان الكريم.. شهر الخير والبركات. شهر الصوم والعبادات.. اطل علينا بكل طقوسه وممارساته الدينية وتقاليده وعاداته الدنيوية المحببة الى انفسنا جميعا.. طلّ علينا اليوم وكأنه قد غادرنا البارحة.. فما أحلى أيامه وما أجمل لياليه.. فماذا عساه ان يعني لنا الصوم في هذا الشهر الفضيل ذي الخصوصية الرائعة؟. قبل حلول شهر رمضان المبارك، يحلو الحديث ويكثر في مجالسنا الخاصة والعامة، ويدور حول أطيب وألذ الطبخات واغرب المأكولات، خاصة انواع الحلويات وتعدد اصناف المشروبات، وكأننا مقبلون اما على مجاعة عالمية، او على مسابقات دولية لأغرب الطبخات واشهى الحلويات!! اما المجتمع النسائي فيتركز الحديث فيه عن آخر صرعات الموضة واغربها للدراعات والعباءات والملابس النسائية الأخرى.. وبالتالي تلتهم هذه الامور الصغيرة اغلب الاحاديث في كل المناسبات واللقاءات التي تسبق هلال الشهر الفضيل واطلالته، ناهيك عن اجندة الغبقات الرمضانية والتحضير لها وكأننا نعيش في قحط مدقع. هذه الأمور الحياتية اليومية التي نركز عليها دائما قبل واثناء هذا الشهر العظيم، ليست مرفوضة في حد ذاتها، بل المبالغة والتمادي عن الحد المعقول والمقبول والطبيعي هما المرفوضان.. فشهر رمضان شهر الصوم لا شهر التبذير والاسراف.. "ان الله لا يحب المسرفين".. وشهر رمضان شهر العبادات والايمان شهر المحبة والتسامح والمودة، وبالتالي يجب علينا ان نفعّل هذه المفردات، وان نلتفت اليها وألاّ نهمل معانيها الكبيرة، فنشوّه نقاء ايام رمضان وصفاءها وحضور لياليه المميز.. وبالتالي نتمنى علينا جميعا ان نحترم هذا الشهر المميز ونحقق تطلعاته واهدافه، ليس فقط ان نصوم عن الأكل والشرب خلال النهار.. بأن نصوم عن كل ما هي تصرفات لا اخلاقية وممارسات اجتماعية لا حضارية كالنميمة والحسد و"الحش" بكل انواعه واساليبه وصوره، والهمز واللمز على الآخرين والتجريح الصريح المكشوف.. وان نحترم الآخر قدر احترامنا لأنفسنا واكثر.. ونبتعد عن الأحقاد والمشاحنات، وننبذ الخلافات على انواعها ونتطلع دائما الى التسامح والسلام مع الغير. نتمنى ان نتشارك في الخير والحب، في السراء والضراء، وان نقتسم همومنا صغيرة كانت ام كبيرة، وبذلك ننمي ونؤصل علاقاتنا الانسانية الجميلة بدءا بأسرتنا الصغيرة وانتهاء بمجتمعنا الكبير مرورا بالأهل والأحباب والأصدقاء. نتمنى علينا جميعا ان نحترم الرأي الآخر خاصة في هذا الشهر الفضيل، "الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان". ولنفترض دائما في علاقاتنا حسن النية ولنبسط الأمور فيما بيننا، بعيدا عن الصراعات والتشنجات التي لا مبرر لها ناظرين الى المصلحة العامة.. مصلحة الجماعة، مصلحة هذا البلد الغالي الذي تناسيناه في خضم الافراط في تضخيم الأَنَا.. ولنتذكر ان احترامنا وتقديرنا للآخرين ينعكس دائما ايجابا على هذا الوطن المعطاء.. على الكويت الحبيبة التي على صغر مساحتها تتسع للجميع ولكل الآراء والافكار الجميلة البناءة الفاعلة. والاهم نتمنى ان يرسل كل واحد منا حسب موقعه وامكاناته وقدراته رسالة سلام ومحبة الى العالم تظهر وتبين ان الاسلام دين التسامح والحب والمعاملة وان الاسلام حضارة عريقة وعظيمة بعيدة عن الارهاب والعنف. نتمنى ان تجد هذه التمنيات بعض الصدى في نفوسنا الطيبة وقلوبنا النقية.. وكلي ثقة بأننا ذلك الشعب الطيب البسيط المتسامح.. ومبارك عليكم الشهر.. وعساكم من عواده. القبس الكويتية