الشهر الكريم على الأبواب ولا ازال في القاهرة أشهد الشوارع تشتعل بالزحام والناس يذهبون قوافل وافواج لشراء احتياجات رمضان. المحلات تزين واجهاتها بالمكسرات والحلويات ومواد غذائية استهلاكية تفوق اي منطق لشهر المقصود به الصوم للتأمل والاحساس بالفقراء والذين لايملكون. كيف حدث وصار الشهر مهرجان للأكل طوال الليل؟ سؤال فعلا يدعوا الى التأمل. فمظاهر المبالغة في الشراء المبكر لاحتياجات رمضان هي عادة في أقصى وضوح لها داخل مصر. أما في اليمن فذلك يحدث خلال اليوم نفسه حيث يذهب الصائمون لشراء احتياجات الطعام ويدفعهم جوعهم لشراء اكثر مما يحتاجون. وفي كل بلد مسلم اوحيثما تواجد المسلمون تجد طرقا عديدة لجعل مظاهر الاحتفاء بالأكل ظاهرة خلال هذا الشهر، أكثر من مظاهر السكينة والتوجه الى الله وإفراد هذا الشهر للعبادة قولا وعملا. لكن التجربة الشخصية خلال سنوات مختلفة في مصر بالذات وكثير من البلدان بما فيها اليمن يكون شهر رمضان فيه فرصة حقيقية للعطاء مما يؤدي الى أن لا يجوع في ليالي رمضان شخص واحد. الإعسار والتقليد: بعض الأخوة والأخوات يتجهون الى الصوم في رمضان حتى لوكانت بهم أمراض يزيد من أثرها الصوم. وهذا النوع من التشدد يمنع الحصول على رخصتين من الرخص التي يقدمها الاسلام للمسلمين. الأولى حق الإفطار للمريض، والثانية إمكانية تحمل تكاليف إفطار فقير. فإذا استطاع الناس ان يفهموا المغزى من صوم هذا الشهر فسوف يدركون خطورة تبديدهم لمعناه عندما يحولونه الى شهر للأكل وإفساد المعدة بالافراط في الأكل في الليل والامتناع عن الأكل في النهار. فالصوم في حد ذاته تغيير لنظام العام بأكمله بالنسبة للجسم وأجهزته الهضمية. والإفراط في الأكل في الفترة المسائية هو نفسه تغيير من نظام التغذية المعتاد في الجسم سواء من حيث النوع او من حيث الكم. فإذا كان الصوم في الأساس يستهدف تحقيق الصفاء في النفس عبر تنقية الجسم من سموم التغذية المعتادة، فإن الطريقة الغير سوية في جعل النظام الغذائي في هذا الشهر الفضيل مزيد من الانهاك والارهاق للمعدة، هو اسلوب خاطئ ناتج عن جعل هذا الشهر كجزء من نظام تقاليد تهتم بظاهر الأشياء ولا تبالي بمعاني ومقاصد التشريع. وهي حال تشبه ما آل اليه الاحتفال المسيحي بما يسمى الكريسماس حيث تحولت هذه المناسبة في الغرب بالذات من مناسبة دينية الى مناسبة تسويق وتجارة وبيع هدايا وتحفيز على شراء منتجات خاصة بهذه المناسبة. قد يكون مبررا للبلدان التي صار الدين فيها حالة فردية خاصة ولكن في بلاد المسلمين حيث يكون الدين اسلوب حياة، فإن تحويل شهر رمضان الى تقاليد أكل وإفراط وتخمة، أمر يستحق التفكير فيه وإعادة النظر في مساره. وسواء صام الناس كما يجب أو صاموا كما اعتادوا، فقد رغبت من وقت مبكر أن اقول لكم رمضان كريم وكل عام وانتم بخير. [email protected]