إن فريضة الصيام لفريضة عظيمة والإسلام خاتم الأديان وقد أكمل الله به الدين وجمع فيه خير ما كان فيما سبق من الأديان وقد اشتمل الصوم على مزايا كثيرة، وقد أكبر الله الصائمين ورفع من شأنهم والله جل جلاله يقول في الحديث القدسي: (الصوم لي وأنا أجزي به) والصوم في جميع ديانات التوحيد إمساك عن كل ما حرم الله.. وليس العرب أو المسلمون وحدهم الذين يصومون رمضان.. بل نقرأ في القرآن الكريم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183). إذن فتلك حقيقة مقررة في القرآن الكريم لا جدال فيها، وباستقراء التاريخ نجد أن قدماء المصريين، وخاصة الكهنة ورجال الدين كانوا يصومون وكانت مدة الصيام من أسبوع لستة أسابيع.. وكان الصينيون القدماء يصومون أيضاً، وقد أخذ اليونانيون القدماء عادة الصوم عن قدماء المصريين، لكننا نرى أن الرومانيين يلجأون إلى الصوم طلباً للنصر على أعدائهم، وأن اليهود يصومون، ويهتمون أكثر بالصوم عندما يتعرضون لخطر من الأخطار أو وباء من الأوبئة الفتاكة.. والنصارى لهم طريقتهم الخاصة بالصوم. بل الأغرب من ذلك أن بعض الحيوانات تصوم حفاظاً على نفسها وجنسها، واستجابة فطرية لظروفها وتكوينها.. ونرى في عصرنا الحاضر بعض الأطباء حتى من غير المسلمين وفي حالات معينة يأمرون مرضاهم بالصيام جزئياً أو كلياً لفترات محدودة.. وحتى في دائرة المعارف البريطانية نقرأ التالي: (إن أكثر الأديان، دانيها وعاليها، قد فرضت الصيام وأوجبته، فهو يلازم النفوس حتى في غير أوقات الشعائر الدينية، يقوم به بعض الأفراد استجابة للطبيعة البشرية في بعض مظاهرها). والعالم الشهير اليكسيس كارل الحائز على جائزة نوبل، يقول في كتابه (الإنسان ذلك المجهول). (إن كثرة الطعام، وانتظامه، ووفرته، تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس البشرية، وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، ولذلك كان الناس يلتزمون الصوم في بعض الأوقات). والإسلام قد حبب المسلمين في الصوم في غير أيام شهر رمضان أيضاً، فنجد النبي صلى الله الله عليه وسلم، يجعل منه أمراً اختيارياً في مناسبات معينة فمن صام رمضان واتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله.. ثم هناك صيام يوم عرفة لغير الحاج والتاسع والعاشر من شهر محرم، واستحباب الصوم في يومي الخميس والاثنين، حيث تعرض فيهما الأعمال على الله.. وصيام الكفارة بمختلف أنواعه كما أن العمرة في شهر رمضان تعدل حجة.. وما أكثر المكرمات التي ينفرد بها رمضان دون سائر الشهور. إن هذه الحقائق الباهرة.. تجعل من الصوم عبادة عظيمة، بعيدة الأثر في سلوك الإنسان وصحته ونقاء روحه وجسده وفطرته. وعلى كل حال فهذا لا يمنعنا من القول إن المعول على القبول والاعتبار ببر القلوب لا بعمل الأبدان (ورب قائم حظه من قيامه السهر، ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش). لكن العبد مأمور بالسعي في اكتساب الخيرات والاجتهاد في الأعمال الصالحات (وكل ميسر لما خلق له). و(أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة أما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (سورة الليل آية: 5-6- 7-8- 9-10) كما ورد في محكم التنزيل. هذا قطر من بحر.. وجزء من كل، فرمضان الذي أنزل فيه القرآن والوحي الأمين وألهب مشاعر الشعراء والزهاد والعارفين، ودارت فيه أحداث غيرت وجه التاريخ الوسيط والحديث وعبر عن الاحتفاء به كل شعب من شعوب العالم الإسلامي بما يضفي عليه الكثير من السعادة والحبور.. وما أكثر النعم التي خص الله بها أمة نبيه عليه الصلاة والسلام وخاصة في هذا الشهر المبارك. وسمي الصوم صبرا لكونه كالنوع للصبر، قال عليه الصلاة والسلم: (صيام شهر الصبر وثلاثة أيام في كل شهر يذهب حر الصدر). وسمي رمضان أخذاً من الرمضاء وهي شدة الحر والأرض الحارة الحامية من شدة حر الشمس. عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية